تحرير العباد.. من التقليد في الأعياد!
لم أُرِدْ من كلمة العباد في عنوان مقالي العموم منهم، فالناس كلّهم عباد الله شاءَوْا أم أبَوْا. ولكنّ الخطاب يُراد به عباد الله الذين هم على درجة من القرب من دين الله الحقّ الإسلام، وغلب عليهم صفات كثيرة بعيدة عن روح الإسلام وتعاليمه. ومن تلك الصفات التقليد في الأعياد والانجرار إلى مُماهاة واتّباع اليهود والنصارى في كثير من العادات التي لها صفات دينيّة.
وإذا كان الإسلام قد نهى عن اتباع من ذكرنا من القوم في كثير من العادات والتقاليد الاجتماعيّة، حفاظًا على شخصيّة المسلم وخصوصيّته في التميُّز في اللّباس وفي المأكل والمشرب على سبيل المثال. فإنّ عدم تقليدهم في المناسبات الدينيّة هو من باب أولى وأجدر. وقد أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما سيصير عليه الكثير من أبناء الأمّة فقال في الحديث الصحيح: 'لتتَّبعنَّ سَننَ من كانَ قبلَكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ حتَّى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه. قالوا: اليَهودُ والنَّصارى؟ قالَ: فمَن'. أي كأنّه يقول فمن غيرهم. وقد تحقَّقت هذه النبوءة في عصرنا الحاضر بشكل واسع واضح. وقد كان هناك الكثير من الاتّباع الذي شمل تقليد القوم في بناء قبورهم، وقد حذّر رسول الأمّة عليه الصلاة والسلام من ذلك في الحديث الصحيح: 'لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا من قبور أنبيائهم مساجد'، وإذا كانت اللعنة حلَّت بالقوم جرّاء تحويل قبور الأنبياء إلى مساجد للتوسّل والدعاء بهم، فذلك يعني أنّ هناك حدود ينبغي الوقوف عليها في العبادة ومن تجاوزها فقد استحق أنْ يلعنه الله ويطرده من رحمته وإنْ كان ظاهر فعله تمسح بالوسائل بقصد الوصول إلى غايات لا ينفع فيها ولا يضرّ إايلعنه الله ويطرده من رحمته واهلّا الله وحده. وما قلناه يجري الحديث فيه على المسلمين أهل التوحيد الكامل الذين ينبغي أنْ يَحْذروا على دينهم من كلّ شرك جَلِيّ أو خَفِيّ.
ونحن اليوم قد مرّ علينا المُسمّى بِعِيد مولد السّيّد المسيح عليه السلام وعلى أبواب رأس السنة الميلاديّة، وهاتان المناسبتان وبغض النظر عن مصداقيّة التاريخ فيهما على سبيل التحقيق والتدقيق فهما لهما رمزيّة وارتباط بشعيرة دينيّة للنصارى في كلّ أرجاء العالم. وما يعنينا ما يجري في بلدنا هنا من الوقوع في شرك التقليد من أكثر المحسوبين على الإسلام والمسلمين في تقليد النصارى في العيد المزعوم قولًا وعملًا. فتجد التزيين قد سبقوا فيه أصحابه وأحضروا الغالي والنفيس من مظاهر تلك المناسبة. ومنها شجرة الميلاد التي يتسابق الكثير من المسلمين الجهلاء على شرائها ووضعها في بيوتهم ومحلّاتهم وعليها الأجراس والأضواء وما يُسمّى بـ(بابا نويل). ومن يرى شوارع المدن في مدينتنا المسلمة المحافظة يأخذه العجب من هذا الانغماس في التقليد الأعمى للقوم فيما ليس هو خاصّ بنا ولا يعنينا. ولو أنّك سألت هؤلاء المقلِّدون لما ذلك الفعل؟ لكان جوابهم: هم إخواننا في الوطن والجوار، ومن حقِّهم علينا أنْ نفرحَ لفرحهم. ونقول لهم إنّه ممّا لا شك فيه أنّ الإسلام دين إنسانيّ شامل ودين يَسَع الجميع في أحكامه وأخلاقه، ولكنه دين له خصوصيّته وله حدوده الواجب الوقوف عليها، وإلّا فليكن الاتّباع في كلّ شيء ولما الاقتصار على المناسبات والأعياد.
إنّ الإسلام نسخ كلّ الشرائع السابقة وقال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجَا}، وجاءت أحاديث نبويّة كثيرة تنادي بالمخالفة للقوم من اليهود والنصارى في الكثير من العادات والعبادات وعندما قال الله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُم وَلِيَ دِين}، فإنّها كلمات قليلة تحمل في معناها الكثير من المقاصد. فكأنّه يقول لكم طقوسكم ولنا طقوسنا لكم أخلاقكم ولنا أخلاقنا وهكذا. إنّ الإسلام نهى عن التشبّه بأيّ قوم في المظاهر والعادات الشخصيّة والاجتماعيّة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: 'مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم'. وفي حديث ثانٍ: 'مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ حُشِرَ مَعَهُم'. فهل ثَمَّة أوضح بيانًا من النهي المطلوب ممّا مثله هنا؟! وليس ذلك يعني أبدًا النهي المطلق. فالإسلام لا يمنع علينا أن نستفيدَ من كلّ ما هو نافع من العلوم ووسائل الحضارة الماديّة عند غير المسلمين، حتّى تكن لنا سندًا وعَوْنًا في تقوية شوكة المسلمين في وجه أعدائهم.
وهذا يمكن الابتداء به من الإبره إلى الدبّابة والصاروخ. فهذا التقليد فيه مشروع ومحمود. أمّا الذَوَبان في عادات القوم الخاصّة بأعيادهم وطقوسهم، فهو ممّا يفقد المسلمين هويّتهم وخصوصيّتهم، ويضعف هيبتهم ويجعلهم تبعًا لا شخصية لهم ولا استقلال. ولو أردنا العروج على الاحتفال برأس السنة الميلاديّة فهو أدهى وأمرّ القول فيه، وذلك لأنه يجتمع فيه نوعان من الإثم. الأول التقليد للقوم في عيدهم، والثاني الانغماس في الملذّات المحرّمة التي لا يطيب ارتكابها إلّا في ليلة الميلاد، وهو ما يأباه الدين الإسلامي وما كان عليه صاحب هذا العيد السيّد المسيح عليه السلام، وحتّى العرف والخلق الرفيع ينكرانه. فمتى كانت ليلة رأس السنة يجوز فيها مقارعة الكؤوس وطاطأة الرؤوس وارتكاب الفواحش بلا وازع من الضمير وشهامة النفوس؟!
إنّ هذه الساعات الأخيره من العام أيًّا كان أصحابه. فالأيام كلّها لله أقول: إنّ ساعات العام الأخيرة ينبغي أن تكون للمحاسبة، وفتح دفتر الأيّام الماضية لمعرفة الصالح والفاسد من الأعمال بقصد اللوم والتقويم والندم على ما فات، والاستعداد بصدق وإخلاص لكلّ ما هو آتٍ. جعلنا الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه والحمد لله ربّ العالمين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
تحرير العباد.. من التقليد في الأعياد!
رجلٌ من أقصى المدينة.. يسعى!
هرطقة اللّغات السّاميّة
القول الفصل.. بين الظلم والعدل!
الأُسرة السوريّة خارج القضبان