د. فاطمة الزهراء دوقيه
الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء العاشر
ونواصل الحديث عن تلك العملية القرآنية التزكوية في شقها التشكيلي للعقلية القويمة وإصلاح التفكير الإنساني بالتصور الاعتقادي الصحيح؛ إذ علمنا أن الله تعالى يريد الإنسان أن يكون عارفًا وعلى بينة وبصيرة، بنفسه وبالكون والحياة التي يتمتع بها، حاملًا لرؤية القرآن الحضارية التسخيرية الاستخلافية لتنير دروبه في الحياة وترشده في مسالكها، فيتصرف وفقًا لها لينشئ العمران الراشد العابد لله.
ففيما يتعلق بهذه الحـياة التي يتمتع بها الإنسان: يمتلئ القرآن بخطاب عقلي يعرِّفه بها، ويبين له حقيقتها من عدة جوانـــب:"من حيث المبدأ والمنتهى، والأحداث التي تنتظره بعد هذه الحياة، ومن حيث علاقة العمر بتلك الأحداث المقبلة عليه"، ولعل الأهم في ذلك كله أنه يعرفها من حيث قيمتها ووزنها الحقيقيين، وكونها هذا الحيز الزمني والمكاني ليمارس فيه حركته وفعاليته الوجودية ونشاطاته ووظائفه، أي ليمارس الغاية من خلقه، المتمثلة في تحقيق العبودية لله تعالى.
والقـرآن يشكل عقل الإنسان على أن وجوده ليس عبثًا ولا صدفةً:﴿أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ عَبَثࣰا وَأَنَّكُمۡ إِلَیۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ﴾ [المؤمنون:١١٥]، كلا، بل وجوده بقصد ولحكمةٍ، و"هو وجودٌ مغيّىً بغايةٍ هي التي تمنحه قيمته بحيث يبلغ من الكمال بقدر ما يحقق من تلك الغاية، ويقترب من العدم بقدر ما يقصر عنها". وذلك ليكون تفكيره غائيًا، وسلوكه إيجابيًا اتجاه حياته ونظرته إليها.
لا شك أن المراد والمقصود من هذا التشكيل العقلي للإنسان وترسيخ هذه الغائية في شخصيته أن يبذل جهده ووسعه في تحقيق هذه الغاية "ما يبذله من أجل تحقيق الوجود ذاته، وحينئذ يكون مرتقيا بوجوده في القيمة عبر ما يحقق من عبادة. وإذ كانت عبادة الله ليست إلا الاقتراب من الكامل المطلق الكمال، فإنها ليست في الحقيقة إلا ارتقاء بالوجود الإنساني إلى درجات الكمال المصورة في قوله تعالى:﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحࣰا فَمُلَـٰقِیهِ﴾ [الانشقاق:٦]، وحينئذ لا يكون مجال للإحباط الناشئ عن الجهل بحكمة الوجود: قلقًا ويأسًا وخوفًا وعبثًا، وغيرها من الإحباطات الناقضة للوجود الإنساني. ولا نحسب القرآن الكريم مبينا للحكمة من خلق الإنسان إلا لترشيده على هذا النحو… وهذا المعنى التربوي الذي يحصل في النفس بإدراك الحكمة من الوجود الإنساني ينعكس لا محالة على حياة المجتمع، فهو المظهر الأكبر لهذا الوجود، والمجلى الأعظم لتلك الحكمة. ومن أشرب إيمانا بأن وجود الانسان هو تفضل الهي يلحق النعيم والخير به، فإنه سيكون مدفوعا بفعل ذلك الايمان إلى أن يحترم حكمة الله باحترام كل فرد من أفراد الإنسان المتجسدة فيه، كما يكون مدفوعا أيضا إلى التعاون مع بني جنسه ليبلغ من الشكر لله على فضله بإضفاء نعمة الوجود عليه درجات ما هو بالغها في مسعاه الفردي مهما استجمع من القوة والإخلاص. وشتان بين من هذا شأنه وبين من وقر في نفسه أن وجوده عبث أو نقمة، فهذا لا يملك إلا التعدي على الآخرين عبثًا منه أو نقمة، كما يشعر أن وجوده عبث أو نقمة"[يراجع النجار، مبدأ الإنسان].
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"




الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء العاشر
توقّفت حرب غزّة، فماذا بعد؟!
رؤية إيمانية في ميزان الأقلية والأكثرية
الشهيد الصالح يلتقي مع الشريف
اعتماد الإنسان على الذكاء الاصطناعي: منظور إسلامي