اعدلوا هو أقرب للتقوى
ليس شيء في العقود أيسر من عقد الزواج؛ يقول الوليّ: زوجّتك ابنتي، فيقول الخاطب: قبلت، ويسمعهما شاهدان فيتم العقد.
أما الحياة الزوجية فهي ملحمة كبرى تحتاج إلى خبرات شتى: من الصبر، والحكمة، والتسامح.
ولو حاول أعقل زوجين أن يتجنبا الخلافات والمشاحنات تماماً، ما استطاعا إلى ذلك سبيلاً (فلا بد أن تتخلل الحياة الزوجية بعض المشكلات). ولو كان ذلك ممكناً لخلا منهما -من قبل- أشرف بيت، بيت النبوة.
وليس شيء في الزواج أصعب من تجنب الظلم: يظن الزوج أن حقوقه مطلقة على الزوجة، فيأمر وينهى. وتتأذى الزوجة فتعترض وتأبى. فيصر الزوج على وجوب الطاعة، وتصمم هي على سؤاله الرأفة والمرحمة. فتأخذ الجفوة طريقاً إلى علاقتهما، ويشوبها النفور والغلظة. ويختلفان على أمور الحياة كل له رأيه: فتتعنت هي وتتكبر؛ فيعتدي هو على حقوقها ويتجبر. فتعظم المشكلة وتتضخم. وتحلف هي أن الحق معها، ويقسم هو أنها المعتدية الباغية.
تلك هي المصيبة حقاً؛ ولئن خالط أوامر الزوج الإجحاف فهضم حق الزوجة، فستكون الزوجة -بالتمادي في تمردها- آثمة مؤاخَذة. ولئن داخل الخطأ سلوك الزوجة فاستحقت العتاب والملامة، فسيكون الزوج -باعتدائه عليها وانتقامه من سلوكها- أكبر جرماً، وسيدفعه الاعتداء والانتقام إلى ((الظلم)) لاحقاً، ((الظلم)) الذي حرمه الله على نفسه وجعله محرماً بين عباده.
وسلوك الزوجين كليهما مخالف للأخلاق الإسلامية، من شك في هذا فليقرأ: {وَلا يَجْرمَنكم شَنَآنُ قَوم عَلى ألا تَعْدلوا اعْدلوا هُوَ أقْرَبُ للتَّقْوَى}، وليقرأ: {يَا أيُّهَا الذينَ آمَنُوا كونُوا قَوَّامينَ بالقسْط شُهَدَاءَ لله وَلو عَلى أنْفُسكم}[1]. قال الحسن البصري في الآية: "هو الرجل يشتمك فتشتمه ولكن إن افترى عليك فلا تفتري عليه".
فلا يحملنكم -أيها الأزواج- الهوى والعصبية والغضب وإجحاف الطرف الآخر على ترك العدل في أموركم وشؤونكم اليومية، بل الزموا العدل على أي حال كان. والعدل مطلوب مع كل أحد حتى مع العدو، فكيف بالأزواج؛ والزوجية توجب المحبة والحنان والمواصلة والألفة؟
إن العدل مطلوب من الزوج ومطلوب من الزوجة حتى عند الخلافات، فلا يعتدي أحدهما على حق الآخر عداء فاحشاً. ولا يتخذ أحدهما من سلوك الآخر (الخاطئ) ذريعة للتتشفي والانتقام.
وخير للزوجين (ولو كان أحدهما ظالماً والآخر مظلوماً) أن ينظرا إلى المصلحة العامة، فيعدلا في محاكمة الأمور وفي قياس المصالح وفي تقدير الوقائع؛ فلا يعتدي أحدهما على الآخر تعنتاً وتعسفاً، فيضيع مصلحة البيت ويفوت على الأسرة كلها الحق في الوصول إلى القرار الأفضل.
وليعلم الأزواج من بعد أن الحياة الزوجية قائمة على التوازن، فإن ظُلمت الزوجة في أمر فإنها ظالمة لزوجها في أمر آخر، وإن تعدى عليها في شأن فإنها تعدت عليه في شأن آخر. وهذا التوازن هو الذي يحفظ الحياة الزوجية من الزوال، فإن انعدم التوازن استحالت الحياة. فتذكروا هذا.
[1] النساء: 135.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن