الغَيْرة
الغيرة من أقوى أسباب الخلافات بين الإخوة، وقد تتسبَّب بالعقد النفسية، فحاولي العدل - قَدْر استطاعتك - وتجنَّبي كلَّ ما يؤدي إلى الغَيرة بين الإخوة، ورُغْم ذلك اعلمي أنه مهما فعلتِ سيَغارون، ولا مناصَ ولا فَكاك!
إن تَجنُّب الغَيرة بين الإخوة أمر مستحيل، فكل منهم يريدك له وحده بلا منافس، فافترضي وجود الغَيرة بينهم (وإن لم تظهر) وتصرَّفي بحذر وعلى هذا الأساس، ومن مظاهرها: (تنافس، جَشَع، افتعال مشكلات، كوابيس، أحلام يقظة...).
وتلعب أشياء أخرى في تنمية الغيرة، منها:
أ- اختلاف تعامُلنا مع أبنائنا (بسبب اختلاف شخصياتهم)؛ يعني لهم: عدم العدل!
وأضرب مثلاً بقريبة لي رُزِقت ولدًا مشاكسًا لعوبًا، وآخر هادئًا سكوتًا، فكان الأول منهما يُخرِّب ويعيث فسادًا، ويكسر الأشياء، والثاني يلعب بهدوء، ولا يَمَس غرضًا لا يخصه، مما يجعل التوبيخ والتعزير والضرب والتوجيه للأول دون الثاني... وغار الكبير وشكا من أمه التي تحب أخاه الصغير أكثر منه! وحين راعته الأم وتغاضت مدة عن لومه تمادى! فانتهجت سياسة أخرى، وصارت تلوم الثاني على أخطائه الصغيرة (لتُهدِّئَ نَفْس الكبير، وتتوقَّف غَيرتُه ويَعتدِل حاله)، والنتيجة: لم يتحسَّن الكبير، وتَعَقَّد الصغير أيضًا؛ (لأنه يُوبَّخ على أشياء تافهة!).
ب- تربية الآباء تختلف من الطفل الأكبر إلى الأصغر:
والتربية تَلين كلما تَقدَّم الوالِدانِ في العمر، وكلما زاد عدد الأطفال؛ فالأولاد الأكبر يتلقَّون صرامة وحزمًا، ويتغيَّر الحال مع الآخرين، أما الطفل الأصغر فيكون مُدلَّلاً وأحيانًا "مُدلَّعًا"، الأمر الذي يُثير حفيظة إخوته الكِبار.
وإليك بعض الإرشادات التي تُقلِّل من الغَيرة بإذن الله:
• يجب أن يشعر كلُّ طفل بحبِّك، وبأنه ذو قيمة ومُميَّز لديك، وأنه مَركَز اهتمامك، فأَعطي وقتًا مفردًا لكل طفل، وخُصِّي كلَّ واحد بجلسة هادئة، أو بمديح، أو بهدية يحبها ويتمنَّاها.
ومراعاة الأطفال ومدحهم لا يعني الكَذِب عليهم، إياك والمجاملاتِ الفارغة، عامليهم بصدق وعَدْل واستقامة تحصُلي على النتائج الصحيحة.
• أوجدي المودةَ والرحمةَ بينهم وامتدحي - من أولادك - مَن يعتني بإخوته، ومن يهتمُّ بأمرهم، ومن يؤثِرهم على نفسه، وتكلَّمي بالخير عن مشاعرهم تُجاه بعضهم، ولا تنقُلي السلبيات ولا التفصيلات، وحين يَمُر أحدهم بغم أو هم أثيري اهتمام الآخرين به، واجعَليهم يتعاطفون معه، ويساعدونه على التصبُّر، ومن ثَمَّ على حَلِّ مشكلته.
• دافعي عن حق كل ابن من أبنائك، سواء المادية؛ (فاحمي ممتلكاته من عبث إخوته)، أو المعنوية؛ بأن تمنَعيهم من نَقْد بعضهم نقدًا لاذعًا لا طائل من ورائه؛ فالسخرية والاستهزاء والغمز واللمز وبخس الناس أشياءَهم حرام، ومِن أكبر مسبِّبات الوقيعة والضغينة بين الإخوة.
• لا تُقارني بين أبنائك، ولا تُبرزي الفروق بينهم، ولا تَصفي شخصياتهم على مسامعهم، ولا تُظهري إعجابَك بأحدهم دون الآخر، ولا تُعيِّري صغيرَهم بكبيرهم، ولا ضعيفهم بقويهم، ولا تنتقديهم أمام بعضهم إلا بهدف الإصلاح، ولا تُوبِّخي ابنك أمام إخوته، ولا حتى أمام الناس، إلا إذا أخطأ بحضرتهم، ولا تلُوميه على شيء قبل أن تتأكَّدي من فِعْله له؛ فحماية نفسيات الأبناء والمحافظة على سلامتها من أهمِّ واجبات الأمِّ.
• ولا تمدحي واحدًا من أولادك والآخر ينظر - ولو بكلمة صغيرة - بالمواهب والصفات التي لا دخل لنا فيها، (وليكن مدحه خفية عن إخوته، وفي الوقت المناسب)؛ فالمواهبُ هِبةٌ من الله، ولا يُمكن للمرء مجاراةُ مَن يفُوقه بالقدرات، ولن تنالي إلا الحسرة والألم، وستَزيدين نار الغَيرة اشتعالاً، وإذا قدَّم الابن شيئًا مميزًا - وعلى الملأ - فلا بد من مدحه جهارًا؛ لكيلا يُغبَن، على أن تبحثي عن مزايا إخوته وتُبرزيها.
أما الصفات الكسبيَّة (مثل: المؤثِر، الرحيم...)، فامدحي المُحسِن منهم على الملأ؛ ليحذو الباقون حَذوه، وحين يكون الظرف مناسبًا امتدحي (ما فيه من الصفات الحسنة) أمام الناس والأقرباء، وامدحيه بما فيه حقًّا وبلا مبالغة، بحيث يأتي المدح صادقًا وعفويًّا.
وإذا أظهر ابنك الكبير خُلُقًا حسنًا، فامتدحيه بلا حَرَج، والأخ الكبير قدوة لإخوته، ومن الطبيعي أن يَسبِقهم بالتعلم والتفوق (لفرق العمر)، وامدَحيه بشيء يَقدِر كلُّ واحد من إخوته على فِعْله (مثلاً: لأنه يطيعك، لأنه يُحافظ على أغراضه، لأنه يعتني بنظافة جسمه ويَقُص أظفارَه).
وقد تحتاجين لتوثيق ثنائك على أولادك؛ فاطلبي من أختك (خالة الأولاد) أو ممَّن تثقين بهم ثقة قوية، تعزيزَ مديحك لأولادك (كل واحد بما فيه حقًّا من مزايا)، الأمر الذي يُشعر الأبناء بالمصداقية والثقة بأن صفاتهم الجيدة بارزة، وكلُّ الناس يرونها ويُقدِّرونها فيهم.
• حاوري أولادك كلَّ واحد على حدة في "ساعة مصارحة"، واتركيه يتكلَّم بحرية وليَقُل مشاعره الحقيقة (تُجاه كل أخ من إخوته)، اسمحي له بالتعبير ولو انتقص من قَدْر إخوته، واكظِمي غيظك، وأخفي حزنَك وأنت تسمعين منه ما قد يسوءُك، فقط اشترطي على ابنك أن يتكلَّم بطريقة "مُهذَّبة" ولا يَسُب، وأن يَسرُد الحوادثَ كما جرت ثم يُعلِّق عليها ويَصِف مشاعره، وهذه الصراحة "هدفها كفُّ أذى كل واحد فيهم عن أخيه".
وبعد أن تسمعي لا تعاقبي ولا تلومي، وإنما اهتمي وناقشي واسألي وحاججي كلَّ واحد بالمنطق وبأمثلة (من المناوشات التي تَحدُث فيما بينهم)، وحاولي أخذ الحلول من أفواههم، ولا ضير من سؤال كلِّ واحد فيهم عن الطريقة المُثْلى لتجاوز ما يَحدُث بينهم من غَيرة ومشادات ومشاعر عدائيَّة، ولعل اقتراحاتهم تُثريك وتساعدك في حلِّ مشاكل الغَيرة بينهم.
وإذا اختليتِ بنفسك استرخي تمامًا، وأغمضي عينيك واسترجعي ما سمعتِ وما رأيت من سلوك أولادك ومشاحناتهم، وابحثي عن الأسباب الكامنة وراء مشاعرهم السلبيَّة، وحاولي فيما بعدُ التصرفَ بحكمة لإزالة الشحناء والبغضاء.
• اشغَليهم بأي شيء، هواية نافعة (قراءة، رسم، أشغال يدوية)، أو اشغَليهم بما يُدخل البَهْجة على قلوبهم؛ كرؤية الأصدقاء، والانضمام للنوادي، والمشاركة في الحياة الاجتماعية، والدروس العامة، واشغَليهم أيضًا بالأعمال المنزلية، وألزِمي كلَّ ولدٍ ببعض الواجبات، (مثل تسوية سريره، وترتيب وتنظيف مكتبه، وطي ملابسه الداخلية)، وكل هذا سيُلهيهم قليلاً، ويَصرِفهم عن المقارنات التي لا طائل وراءها.
وأسأل الله أن ينصرفوا عن الغَيرة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن