الربانية.. حياة الروح (4/6)
يا صاحِبَ كلِّ غريب، يا مؤنسَ كلِّ وحيد، يا ملجأَ كلِّ طريد، يا مأوى كلِّ شريد، يا حافظَ كلِّ ضالة، يا راحمَ الشيخ الكبير، يا رازقَ الطفلِ الصغير، يا جابرَ العظم الكسير، يا فاكَّ كلِّ أسير، يا مغنيَ البائس الفقير، يا عِصمةَ الخائف المستجير، يا مَن له التدبيرُ والتقدير، يا مَن العسيرُ عليه سهلٌ يسير، يا مَن هو على كلِّ شيء قدير، أعِنَّا على إصلاح أنفسنا، وخُذْ بنواصينا إليك، فنحن بك لا بغَيْرِك.
ولنستكمل أخي الكريم، ما ذكَرْناه في مقالاتِنا الثلاثة السابقة عن إصلاح النفْس، وكيف يكون بدايةُ الخير والفلاح.
انهض بعلاقاتك:
انهض دائمًا بعلاقاتك الطيِّبة مع الناسِ وجَدِّدها، وجدِّد معها كلَّ جميلٍ مِن الإحساس.
فإنْ كنتَ محسنًا للناس فزِدْ كثيرًا في الإحسان، وإنْ كنتَ مسيئًا فاستغفرْ ربك، وارجع إليه، واطلُبِ العفوَ منه، والهجران لكلِّ ما فيه إساءةٌ لعِباد الرحمن، واهرعْ لمَن أسأتَ إليه، واطلب عفوَه، وأحسِنْ إليه، تنَلْ بذلك رِضا ربك، وحُبَّ خصمِك، والفوز بالجنان.
زيارة:
اجعل أمامَ عينيك دائمًا منظارَ الدكتور مصطفي السباعي - رحمه الله - الذي يقول فيه:
• زُرِ المحكمةَ مرَّةً في العام؛ لتعرفَ فضلَ الله عليك في حُسْن الخُلُق.
• وزُرِ المستشفى مرَّةً في الشهر؛ لتعرِف فضلَ الله عليك في الصحَّة والمرض.
• وزُرِ الحديقةَ مرَّةً في الأسبوع؛ لتعرفَ فضل الله عليك في جمالِ الطبيعة.
• وزُرِ المكتبةَ مرَّةً في اليوم؛ لتعرفَ فضلَ الله عليك في العَقل.
• وزُر ربك كلِّ آن لتعرفَ فضْلَه عليك في نِعم الحياة.
عليك بالذِّكْر:
أَلْزمْ نفسك وجاهدْها بالمحافظة على ذِكْر الله كلَّ يوم، بوردٍ لا يقل عن ألْفِ مرَّة، ما بين: "سبحان الله"، و"الحمد لله"، و"لا إله إلا الله"، و"الله أكبر"، و"لا حولَ ولا قُوَّة إلا بالله العلي العظيم"، والصلاة والسلام على أشرفِ الخَلْق، و"سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"، والاستغفار، و"لا إله إلا الله وحْده لا شريكَ له، له المُلْك وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قدير".
وتَميَّز أنتَ أيُّها المسلِمُ الحبيب بهذه الأورادِ عن غيرك، ولْتجعلْها دَيدنَك وسَمتَك، ورُوحك وحياتك، ففيها البركةُ، وفيها النور، وفيها البِشْر وفيها السرور، وفيها الربانية وفيها الرضا مِن الرب الغفور، والحب من الرسولِ، صاحب المقام المحمود.
الإنفاق:
عوِّد نفْسَك وأهلَ بيتك على الإنفاقِ في سبيلِ الله، وطهِّر نفسَك من الشحِّ، وتذكَّر مكانةَ المنفِق والإنفاق عندَ رب العباد.
والإنفاقُ في سبيلِ الله يعود خيرُه على النفس، فالله - عزَّ وجلَّ - يقول: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ﴾ [البقرة: 272]، يقول الحسنُ البصريُّ: نفقة المؤمِن عائدةٌ على نفسه، ولا يُنفق المؤمِنُ إلا إذا أنْفَق في سبيلِ الله.
والإنفاق مِن الخيرات يَعلَمه الله؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 273]؛ أي لا يَخفَى عليه شيءٌ منه.
ومِن السهولة في الإنفاق أنَّه يكون ليلاً ويكون نَهارًا، ويكون سِرًّا ويكون جِهارًا؛ لقول الله - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274].
احرص على أن تكون حيًّا:
اعلمْ وتذكَّر دائمًا أنَّ مَثَلَ الذي يذكُر ربه والذي لا يَذكُره، كمثَل الحيِّ والميِّت.
إنَّ الذِّكرَ يُزيل الوحشةَ بيْن العبد وربه، قال صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ مما تَذكُرون من جلالِ الله: التسبيحَ والتهليلَ والتحميد، يتعاطفن حولَ العرش لهنَّ دويٌّ كدويِّ النحل، يُذكِّرن بصاحبهنَّ، أفلا يحب أحدُكم أن يكون له مما يُذكِّر به؟!)) صدَق رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
والجميلُ في كثرةِ الذِّكْر: أنَّ الإكثارَ منه، والدوام عليه، ينوب عن التطوُّعات الكثيرةِ التي تستغرق الجهدَ والوقت، وفيها عوض لمَن لا يستطيع أن يفعلَ الطاعاتِ، بدليل ما جاء في الحديث الصحيح: أنَّ فقراء المهاجرين أتَوْا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالوا: يا رسولَ الله، ذَهَب أهلُ الدُّثور مِن الأموال بالدرجات العُلى والنعيم المقيم؛ يُصلُّون كما نُصلِّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضلٌ مِن أموال يحجُّون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدَّقون، قال: ((ألاَ أُحدِّثكم بأمرٍ إنْ أخذتم به أدركتُم مَن سبقَكم، ولم يُدركْكم أحدٌ بعدَكم، وكنتم خيرَ مَن أنتم بين ظهرانيه، إلاَّ مَن عمل مثله: تُسبِّحون وتَحْمَدون وتُكبِّرون خَلْفَ كلِّ صلاة)).
كما أنَّ الذِّكْر يُعطي قوةً في القلب، وقوةً في البدن، ومِن أجمل الأمور في الذِّكر والإكثار منه: أنَّ شواهدَ الله في أرْضِه تَشهَد له، فالذي يذكُر اللهَ في قمَّة الجبل، أو في الطريقِ، أو في السيَّارة، أو في البيت، أو على الكرسيِّ، أو على الأرضِ، قائمًا كان، أو قاعدًا، أو مضطجعًا على جنبه - كلُّ هذه البِقاع والأماكن تَشْهَد له عندَ الله.
جاء في الحديثِ أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قرأ هذه الآية: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ [الزلزلة: 4]، قال: ((أتدرون ما أخبارُها؟))، قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: ((فإنَّ أخبارَها أن تَشهَد على كلِّ عبد وأَمَة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عملتَ عليَّ كذا يومَ كذا وكذا)).
وجديرٌ بالذِّكْر أن ننبِّهَ هنا أنَّ ذِكْر الله ليس مجرَّدَ أقوال تُقال باللِّسان وفقط، وإنَّما هي تفاعلاتٌ وأحاسيسُ، وإيقاظٌ للنفس؛ لتتحرَّكَ من حالها الذي هي عليه إلى حالٍ أجملَ ما يكون مِن الرُّوحانية والشفافية، والربانية والفراسة والإيمان، بل إنَّ الأمر قد يصِل بالذاكرين اللهَ كثيرًا إلى مرحلةِ الكرامات من الرب العظيم يُعطيها لهم كرمًا وفَضلاً منه وتفضُّلاً.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن