تعليم الصلاة للمعاقين
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لديَّ ٤ من إخوتي: ذكر، و٣ إناث، معاقون، واحدة منهنَّ عندها شللٌ كلي، لا حركة ولا نطق، وعمرها يزيد على ١٣ سنة، وأخرى تبلغ ٣٩ سنة، تتحرَّك بعض الشيء، ولكن عندها مشكلة في النطق، وأخرى تبلغ ٣٠ سنة، وتُعاني أيضًا من مشكلة النطق.
والذكر يبلغ ١٢سنة، وعنده نفس المشكلة، وهم ليسوا غائبين عن عقولهم، ولكن مشكلة النطق تجعلهم لا يفقهون حديثًا، ولا يُفهم منهم شيء.
مات والدُهم وما ركعوا لله يومًا واحدًا إلى يومِنا هذا، فكيف ألقِّنهم كيفية الصلاة والوضوء؟
وجزاكم الله خيرَ الجزاء، والسلام عليكم.
الجواب
هذا ابتلاء من الله أرجو أن يُثاب عليه الكل بصبرهم ورضاهم عن الله: أنت ووالداك والإخوة والأخوات، مَن كان صحيحاً منهم ومن كان معتلاً. هذه الأولى، والثانية: لا بد أنّ منشأَ هذه العلة تعارضٌ مرَضي بين مورِّثات الأبوَين، فليس من الطبيعي -بالمعايير الإحصائية- أن يولد مصاباً بمثل هذا المرض أربعة أولاد (فائدة لغوية: الولد كل مولود، ذكراً كان أو أنثى). وقد كان ينبغي على أبويك أن يتلقيا نصيحة طبية في وقت مبكر بالتوقف عن الإنجاب ما دام الاحتمال الغالب هو إصابة المواليد بالمرض. على أن هذا كله قد صار اليوم من الماضي ولا يفيد الخوض فيه، وما ذكرته هنا إلا ليستفيد منه مَن يمكن أن يعاني من مشكلة مشابهة في الحاضر أو في المستقبل.
السؤال صيغ صياغة سيئة وغير واضحة، وقد بذلتُ جهداً لأستوعب الحالة ففهمت -ببعض الصعوبة- أن المرضى مصابون بشلل كلي أو جزئي، مترافق مع عجز عن النطق. هذا ما استطعت التيقن منه، وبقيتُ في شك من الجزء الحاسم والمهم في الموضوع: العقل. إن مجرد العجز عن الحركة وعدم القدرة على النطق لا يصنع مشكلة مع الصلاة، وأنت تعلم ذلك بشكل جيد بلا شك، وإذن فهل المشكلة في العقل؟
من باب استكمال الجواب سأشير باقتضاب إلى حكم معلوم من الدين بالضرورة، وهو أن الصلاة لا تسقط عن المسلم البالغ سقوطاً دائماً إلا بالجنون، لأن العقل من شرائطها، فمن كان عاقلاً ثم جُنّ وفقد العقل سقطت عنه حتى يسترجع عقله، ومن وُلد مجنوناً فلا تجب عليه أبداً إلاّ أن يعقل. وتسقط سقوطاً مؤقتاً في حالة العجز أو النوم، فإذا أفاق النائم صلى ما عليه، وإن فاتته في نومه صلاةٌ أو صلوات قضاها، وإذا برئ المعتلُّ من علّته في الوقت أدى صلاته على وجهها، وإذا خاف خروج الوقت ولم يبرأ صلاّها على أكمل وجه يطيقه، قاعداً أو مستلقياً، ولو إيماءً، على تفصيل وزيادة محلُّهما كتب الفقه، ومن شاء الاطّلاع على الموضوع وجده في مظانّه بغير عناء.
وجماع ذلك كله في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري عن عليّ: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يَشِبّ، وعن المعتوه حتى يعقل"، وفي رواية أخرجها عن عائشة: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يعقل". وأخرجه أبو داود والترمذي بألفاظ متقاربة، وهو صحيح
أعود إلى حالة أخيك وأخواتك. أنت قلت أولاً: "ليسوا غائبين عن عقولهم"، ثم قلت: "لا يفقهون أيّ حديث". ألا ترى تناقضاً بين الإفادتين؟ إن الذي لا يفقه الحديث ناقصُ العقل أو فاقدُ العقل أصلاً، ولو كان عاقلاً لفَقِه. أنت لم تُشِرْ إلى حالة "صمم" بل إلى البَكَم (الخَرَس) فقط. (وللفائدة: فإن من وُلد عاجزاً عن النطق فالأصحّ وصفه بالبَكَم لا بالخَرَس، ونقول إنه أَبْكَم -وهي اللفظة المستعمَلة في القرآن- أو بَكيم).
لكنْ ربما قصدت بقولك "لا يفقهون حديثاً" أنهم لا يسمعون، أي أن بهم صَمَماً بالإضافة إلى البَكَم. وإذن ولو كان الأمر كذلك فلن أستبعد أن يكون العجز عن الكلام قد نشأ من العجز عن السماع، فمن المألوف أن يكون الأصمُّ أبكمَ بحكم صَمَمه، لأن الأصوات إنما تنتقل إلى الدماغ بالسماع فيفهمها ويتيح لأعضاء النطق محاكاتها؛ فلا يكون نطقٌ بلا سماع، إلا في حالات نادرة يبذل فيها المعالجون جهداً كبيراً لتوصيل فكرة "الأصوات" للأصم وتدريبه على محاكاتها. وقد سجل العلاج الطبيعي مؤخراً حالات كثيرة نجح فيها المعالجون في تدريب الصُّمّ على الكلام بوضوح معقول (يكاد يكون من المستحيل أن يُخرج الإنسان من فمه بدقة كاملة صوتاً لم يسمعه بأذنه قط، وإذا أشرنا إلى حالات أصابت "نجاحاً" فإنما هي درجات من النجاح تزيد وتنقص).
فإذا كان أخوك وكانت أخواتك عاجزين عن النطق ولكنهم يعقلون فإن الصلاة واجبة عليهم باتفاق، يصلي كلٌّ منهم بقَدْر ما يطيق، فإذا كان الشلل كلياً صلّى إيماءً، وإذا كان جزئياً حرك من أعضائه ما يطيق موافِقاً لحركات الصلاة. وإذا كانوا عاجزين عن النطق فليس عليهم أن يتلفظوا بالفاتحة وغيرها من الآيات والأذكار، بل يكفي أن يقرؤوها في قلوبهم على أحسن وجه يستطيعونه. أما إذا كانوا لا يعقلون (لا يفقهون كما قلتَ) فلا صلاة عليهم، فانظر أي الحالتين حالتهم تعرف أي الأمرين ينطبق عليهم
الخلاصة: إن كانت المشكلة في القدرة على السماع فقط فلا مشكلةَ في الواقع، فأنت تستطيع التواصل معهم بالنظر، والمرءُ قادر على التعلم بعينيه. فاشرح لهم الصلاةَ بالصور وبالتمثيل، واكتب لهم الفاتحة والآيات والأذكار المطلوبة ليقرؤوها عن الورق، وما أسهلَ أن يتعلموا منك الصلاة ويصلّوها. أما إذا كانت المشكلة في الإدراك، في العقل، فلا تُتعب نفسك ولا تحمِّلها هَمّاً أنت في غنى عنه، فقد رُفع القَلَم عنهم فلا يُسأَلون ولا يُحاسَبون إن شاء الله. وفي كل الأحوال أنت مأجور على حرصك واهتمامك بإذن الله.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة