تشتاق لي؟!..
قالت: هل تتراقص نبضات قلبكَ كلما تذكرتني.. وهل يدبّ الشوق في أوصال نفسك كلما بعدتَ عني؟! البيتُ في غيابك صحراء قاحلة.. وحين تغيب أشعر بصِغر الكون.. يضيع هواؤه في الأرجاء فأفقد توازني تماماً.. وأنتظر بشغف عودتك إلى حضنه!
قال: أشتاقكِ حدّ الجنون.. أشتاقكِ شوق الحب للمحبّين.. ولديّ مزيد!
سألَتْه: أما من دواءٍ لهذا الشوق يطفئ اللهب الذي يسكن الشغاف؟!
قال: هزّي إليك بجذع الصبر.. فالشوق يزكّي العاطفة ويجمِّل وجه اللقاء..
فابتسَمَت وقالت: ولكنه جوعٌ.. يؤجّجه الإشباع!
هل يمكن أن يتراءى للناظرين أن هذا الحوار قد يكون بين زوج وزوجته؟! أكاد أجزم أن هذه الكلمات لا يمكن أن تجد لها مكاناً في حياة المتزوجين إلا مَن ذاق واغترف من معين الوعي الزوجي والفهم الحقيقي للزواج!
قليل من النساء مَن تشتاق زوجها بعد سنوات طوال من العيش في كنفه.. وأقل منهن الرجال الذين يتوقون للعودة إلى سقف يُفترض أن يكون مرفوعاً بعواميد المودة والرحمة والسكن..
يقول بعد أن مضى ربع قرن على الزواج: "الرجل الذي لا تشتاق له زوجته بجنون يكون محروماً وساذجاً.. وهو بلا شك مقصِّر في حقّها.. فكيف له أن يطلب بضاعة لم يدفع ثمنها؟! لا يكفي أن يشتري مستلزمات البيت وأن لا يضرب أويصرخ.. بل هو الإشباع العاطفي الذي تحتاجه! ووالله لا يدري الرجل منهم كم ضيَّع على نفسه حين لا يحب ويعبِّر ويحتوي زوجته.. ما ضيَّعه على نفسه هو أضعاف أضعاف ما يقدّمه.. فالمرأة (بنك) عواطف متميّز.. يعطيك أرباح هائلة لكل عمليّة إيداع عاطفية!"
ولكن.. ماذا قدم هذان الزوجان ليحيا هذا الحب في قلبيهما طوال رحلتهما المشتركة؟! أيُعقَل أن ينبت الزرع في تربة لا روح فيها ولمّا تشمّ ريح الماء لتهتز؟! لا شك أن هذه البذرة تحتاج لريّ وسقاء وعناية ورعاية.. في بداية نموّها.. وطوال حياتها أيضاً!
يقول الدكتور صلاح الراشد: "الحب مهارة تحتاج إلى مجهود وفن في الاستقبال والإرسال.. والسعادة سلعة غالية تحتاج إلى جهد".. أوليست كل مهارة قابلة للاكتساب؟! إذاً لا عذر لمن يدّعي عدم الاتقان.. ثم يكمل: "أحبِّي زوجك حباً مطلقاً.. أحبّيه إذا أحسن إليك وكافئيه بالإحسان.. أحبّيه إذا أساء إليك وكافئيه بالغفران.. أحبّيه إذا أعطى وكافئيه شكرا.. أحبّيه إذا أمسك وكافئيه سترا".. كلماتٌ من ذهب لمن تفكّر ووعى!
عباراتٌ لو أدمن عليها الزوجان لاستقرّ الحب في القلوب وأينع سعادة تغمر الأسرة جميعها.. هو ثناءٌ ومدحٌ وشكرٌ وإنصاتٌ وحوارٌ وتقبلٌ وتقديرٌ وعطاءٌ وبوحٌ وعناق!.. هو شعورٌ أن زوجي –زوجتي- أغلى من كل الوجود.. حقاً وصِدقاً.. وهو تأمينٌ لحاجات الطرف الآخر على النحو الذي يحب ويرضى وليس على النحو الذي يرضي الشخص نفسه!
لا أقتنع أن الإحسان لا يأتي بالإحسان.. إلا عند مرضى القلوب.. وحينها لا يمكن أن تستمر حياة معهم وتعتدل! وإلا فما معنى قول الله جل وعلا "اِدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم"!..
وما زالت النساء يحلمن برجال لا يخجلون من البوح أمام الملأ ويقولون عن زوجاتهم "إنّي قد رُزِقتُ حبها".. ويطبّقون ويلزَمون!
ويسمعون دندنة عاشقة لزوجها تردد: "أنثى أنا يا صاحبي.. إن لم تدللني.. تجفُّ مشاعري.. تتبلّد! أنثى أنا، أنا جنّةٌ في ظلالِها.. ترتاحُ، تسكنُ، ترتوي، تتزوَّدُ! حوا أنا يا آدمي.. أنا من ضلوعك قد خرجتُ.. وأنت منّي تولَدُ! لك واجبٌ عندي.. ولي حقٌّ عليكَ، فخُذ وهات، يد تقابلها يدُ!"..
لتخرّ قلوبهم عشقاً.. فيستجيبون للنِدا.. وحينها.. تسعد الحياة وتورِدُ..
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة