سخرية واحتقار.. لم؟
تنتظر عودته بلهفة.. هي القابعة في البيت طوال النهار تجالس صخب السكون وتعتنق الصمت.. قد نذرت حياتها لخدمة بيتها وراحة زوجها.. شخصيتها الودود جعلتها قِبلة القلوب، وابتسامتها اللطيفة محط مدح صويحباتها.. أحبّها الجميع لطيب معشرها، حتى مَن لا يعرفها عن قُرب.. تروي نكتة وتنتظر مشاركته في الاستمتاع بها.. فلا تسمع حتى همساً.. ولا تدرك: هل سمعها أم هو معها جسداً وغائب روحاً وسمعاً؟
باتت (تستحلي) الضحك مذ تزوجته.. فرصانته وعقلانيته يحتّمان عليه أن (يهتم) بأمور أرقى.. ولا وقت للمزاح أو الضحك! وحين تسأله: هل سمعتني؟ ينظر إليها بسخرية ويميل برأسه يمنةً فتصلها الرسالة: ما هذا الهراء؟
وفي مشهدٍ آخر.. تغلي من موقف أثار حفيظتها.. وتخشى إن لم تتكلم به أن يكسر راحة بالها.. فتستوقفه لتبث همّها.. فيبادلها بسخط ظاهر: هل أنتِ حمقاء؟! هل هذه هي اهتماماتك؟! هل تأخذين من وقتي المهم لتكلّميني بهذه الترّهات؟! ارتقي لمستوى هموم الأمّة وانشغلي بما يفيد!
تشكو إلى صديقتها ما تجد.. فتترحم على زوجها حين تعلم أن أقل ما يقوله زوج تلك لها: أنتِ لستِ بأنثى! انظري إلى نفسك في المرآة لتعرفي أنكِ لا تملكين من الإثارة شيئاً! وهو دائم النظر إليها باستهزاء.. يُسخِّف اهتماماتها ويزدري قراراتها في خلواتهما وعلانية.. ويناديها: يا (سخيفة)
مهلاً.. ماذا تفعل أيها الزوج؟! هل تعلم أنّ ما تقوم به يميت العلاقة الزوجية ويورِث الألم؟! وأن القاعدة الأساسية التي أرادها الله جل وعلا في الزواج من مودة ورحمة وسكَن ستتحطم ولن يبقى لهذه العائلة سوى الطلاق الصامت أو الفعلي؟! وفي كليهما تزعزع استقرار الأسرة وانهيارها، هذا في الدنيا أما في الآخرة فوعيد عظيم
أما هزّ قلبك قول ربنا جل في علاه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَايَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ﴾ .. وقوله عز من قائل: ﴿ وَلاتَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ .. فإن كان اللمز - وهو الطعن والضرب باللسان - للمؤمن حراماً لأن المؤمنين كنفس واحدة.. فكيف بالأزواج؟ وكيف بمَن قَبِِلَت بك دون رجال العالَمين؟!
﴿ إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾ .. ألا تخشى أن تكون زوجتك التي تسخر منها أقرب لله جل وعلا وخيراً منك؟! فإن كنتَ كريماً فلن تستهزئ.. وإن لم تكن فهي أفضل عند الله تعالى منك فكيف تستهزئ؟
أما سمعت قول الحبيب عليه الصلاة والسلام: «بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم»؟! هذا في حق أخيك.. فكيف بشريكتك في الحياة؟! أم أنّه حرامٌ على أخيك المسلم حلالٌ على زوجتك التي يُفتَرَض أن تكون توأم روحك؟
السخرية والاستهزاء واللمز أمور عظيمة.. أترضاها لابنتك؟ أترضاها لأختك؟ أترضاها لخالتك؟ لعمّتك؟ لأمّك؟ لا أحسبك تقول نعم! فكيف ترضاها لمَن تحمل معك الأعباء والمسؤوليات وتُقيم البيت على مجهودها معك؟
كيف تتوقّع أن تتصرّف معك بتلقائية وحب أو أن تتكلم عن أي شيء دون خوف من استهزائك بها وبكلامها أو تفكيرها؟ سيختم الصمت فمها بشمعٍ أحمر وتتلوّث علاقتكما بأكسيد الازدراء
احتوِها.. إن كانت تحتاج لمزيد ثقافة ووعي وعلم فعلّمها.. بحب! وفقِّهها بحنان.. وارشدها بلطف.. هذه هي مفردات القِوامة.. وستحصدان معاً جميل ما زرعتما من رعاية واهتمام..
الاحترام أساس العلاقة الزوجية.. فإن فقدتماه.. فماذا بقي؟!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن