نساء غزة.. وشَراكة الانتصار
لطالما استخفّت منظمات «حقوق المرأة» بدورها «النمطي» في رعاية أسرتها، واعتبروها في ذلك عاطلة عن العمل! وقد تأثرت نسبة من نساء مجتمعاتنا العربية والإسلامية بهذه المقولات حتى شاعت بينهن عبارة: «أريد أن أحقق ذاتي» في إشارة إلى أن عملها داخل المنزل لا قيمة له! أقدّم نموذجاً لنساء حققن ذواتهن من خلال أدوارهن «النمطية»، فصنعن عزاً ونصراً. نساء غزة.. أجمل النساء في عصرنا.. أقدام متجذرة في أرض فلسطين وأرواح محلّقة في السماء.. وما بين الأرض والسماء صور نادرة من معركة الوجود المفتوحة مع المحتل.. نماذج من الإبداع الفلسطيني الذي غذّته امرأة.. رعته امرأة.. أسهمت في إخراجه إلى حيِّز التنفيذ.. أيضاً امرأة. فزوجة الشهيد القائد في كتائب القسّام محمد خليل أبو شمالة يزورها عضو المكتب السياسي لحركة حماس د. موسى أبو مرزوق والقيادي فيها سامي أبو زُهري لأداء واجب العزاء فتُلقي أمامهما خُطبة معدِّدة إنجازات زوجها في بناء قوة القسّام وفي التصدي للعدو، وتسلِّم لأبي مرزوق راية القسّام قائلة: «القائد أبو خليل حمل راية كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام بأمانة، وحافظ عليها سنوات طويلة، وأوجع الكيان، قاد الأمة وقاد نصرها، وكان يعلم أنه الزارع ونِعم الزارعون، وأتمنى أن تكونوا نِعمَ الحاصدون.. اليوم أسلّمك يا دكتور موسى الراية، وأتمنى أن تكونوا على قدر المسؤولية، لأن معركتنا مع الكيان لم تنته». أما ابنته التي لا يتجاوز عمرها الـ 12 سنة فتصرّح عقب اغتيال والدها: «أقول للمقاومة: اشتدي، اشتدي.. نحن معك لا نريد هدنة ولا مفاوضات.. نريد أن تضربي حيفا وما بعد حيفا والقدس وتل أبيب.. وأنا «فرحانة» وأريد أن أزغرد لأن أبي شهيد.. أمنية حياته أن يكون شهيداً».. وتقول بحضور رئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية ومرافقيه: «أنا أفتخر بأن أبي شهيد قائد.. فدى حياته من أجل تحرير الأسرى ومن أجل تحرير القدس.. إن شاء الله سيتحرّر الأقصى والقدس، وإن شاء الله سوف يكون على رأس الجيش القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف». نموذجان من بيت قائد.. فماذا عن عامة الشعب؟ تقول امرأة غَزّية من النازحين إلى إحدى مدارس الأونوروا: كلنا مشاريع شهادة. وتقول أخرى: مستعدون أن نموت بالملايين.. لن يحلموا باحتلال القطاع.. سنحرر المجدل ويافا وحيفا رغم أنوفهم.. لو راح الشباب.. نحن النساء سنقاوم.. لسنا خائفين.. لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.. سنعود إلى ديارنا منصورين صامدين.. أو شهداء بإذن الله. هذه النماذج بالطبع لم تأت من فراغ.. شخصيات لم تتشكّل من نمط حياة رِخوة «عبثية».. ولم تطلْها أيدي التخريب «الأممية» التي لطالما عملت على تشويه فطرة المرأة وسلخها عن مبادئها وقيمها وبيئتها.. إنما هي نِتاج تربية نساء ومجتمع تتكامل أدواره بين البيت والمدرسة والمسجد ومراكز تحفيظ القرآن والعمل الجماعي ومؤسَّسات المجتمع... فيتخرج المجاهدون رجالاً ونساءً، ويتقاسمون الاختصاصات الأكاديمية والمهنية والميدانية... ليصنعوا بعد ذلك نصراً نُواتُه امرأة: زوجة ساندت زوجها وصبرت على غيابه، وأم ربّت ولدها وأَشربت قلبه حب الله ورسوله والجهاد والاستشهاد في سبيله، وابنة بارّة إنما هي خير عونٍ لوالديها، وأختٌ تقاسمت مع أخيها المهمات داخل المنزل وخارجه... وقد تخطَّتْ مهامُّها التربيةَ ومتطلباتها والمنزلَ وأعباءه، إلى المشاركة في مهمات جهادية يحتاجها الميدان.. وبذلك يتكامل دورها مع الرجل لتُسهم قبله ومعه وبعده في صياغة نفسيات سويّة وشخصيات منسجمة مع ذاتها قد حددت هدفها وعرفت طريقها، وفي بناء مجتمع محصّن متكافل عصيّ على التفتُّت.. ولولا هذه المنظومة المتكاملة لما رأينا صموداً، ولا تحدّياً، ولا إبداعاً في البر والبحر والجو. ولا عجب بعد ذلك أن تكون المرأة أول من تهديه فصائل المقاومة «انتصار غزة» في خطاب النصر الموحََّّد الذي ألقاه «أبو عبيدة»: «إن هذا النصر قبل أن يكون نصراً للمقاومين، هو نصر كل أمٍّ أرضعت فِلْذات كبدها معاني الرجولة والشهامة والفداء، نصر كل أخت وبنت وزوجة رأت ابنها أو أخاها أو زوجها أو أباها يخرج لصدّ العدوان وهي تعلم أنه قد لا يعود، فدفعته للواجب دون تردد...». ألا فلتأتِ كل المنظمات الدولية وتتعلم كيف تُكَرَّم المرأة وكيف تقدَّم على الرجال، وكيف تحقق ذاتها بالتكامل مع الرجل في ظل احتلال ظالم وحصار خانق ومآسٍ لا حصر لها.. نعم، المرأة شريكة الرجل في صناعة الانتصار.. ولولاها بعد فضل الله.. لولا تربيتها للمجاهدين.. لولا صبرها على غياب الزوج والابن والأخ.. لما كانت الإنجازات.. لا بل الإبداعات التي أذهلت العالم؛ العدو قبل الصديق.. المتصَهْيِن قبل الصهيوني
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن