الأقصى و"المسافة صفر".. وتسليمي منبر الداعيات
المسافة صفر.. إستراتيجية أصبحت لها مكانتها وحساباتها في العقل الجَمعي الفلسطيني.. وفي تكتيكات المجاهدين.. فالقساميون في غزة ابتكروها في إطار معركتهم مع الصهاينة.. والشاب المقدسي الشهيد معتز حجازي استخدمها بمنتهى الذكاء والثبات وسرعة البديهة انتقاماً لتدنيس الأقصى؛ حيث حاول قتل الحاخام المتطرف مدير «معهد الهيكل» يهودا غيلك -من «مسافة صفر» -عقب خروجه من أعمال مؤتمر بعنوان: «إسرائيل تعود إلى جبل الهيكل». وكذلك الشهيد إبراهيم عكاوي الذي قام بعملية «دهس» مات فيها ضابطاً من قوات حرس الحدود وأُصيب ثلاثة عشر يهودياً.. رحمهما الله وتقبلهما في الشهداء.. ليسنّا في القدس سُنة «الصفر» الفاعل.. عسى أن يتم تحرير الأقصى من المسافة نفسها.
في الوقت الذي يغازل فيه «المتصهينون العرب» أصدقاءهم الصهاينة أيضاً من «مسافة صفر»!! وشتان ما بين الصفريْن: صفر يغيّر المعادلة ويقلب الموازين، وآخر مكعّب أجوف لا قيمة له يكرّس منظومة الذل العربي وخذلانه لقضاياه المصيرية.. الصفر الوحيد الذي يشكّل إستراتيجية هؤلاء!!!
يقول الرئيس الفلسطيني عباس في حوار له على القناة العاشرة العبرية في 29 تشرين الأول 2014: «الصواريخ التي كانت تطلق من غزة تجاه البلدات والمدن الإسرائيلية نحن نسميها عبثية، نحن لا نريد هذه الصواريخ...» متوجِّهاً لليهود: «أقول للشعب الإسرائيلي: إذا حققتم السلام معنا سنأتيكم مع 57 دولة عربية وإسلامية ستعترف بكم فوراً وتطبِّع علاقاتها مع إسرائيل بشكل فوري...»!!
في حين يكتب قائد عام شرطة إحدى الدول العربية تغريدة على تويتر: «أنا بصفتي الشخصية أعترف بإسرائيل»!! وذلك في اليوم نفسه الذي أغلق فيه الصهاينة المسجد الأقصى في وجه المصلين!!
لا شك أن رباط المرابطين في بيت المقدس وأكنافه، وكذلك شجاعة الشهيدين في إصابة الكيان الغاصب في مقتل قد أعاد لقضية الأقصى حضورها، وحرّك ركودها.. بعدما كادت تضيع ضمن ملفات الثورات العربية المتعثّرة! تلك التي هلّلنا لها واستبشرنا بها خيراً وأَمِلنا أن تكون بوابة خلاص الشعوب والأوطان وربيعها الذي سيعيد لها شبابها ونُضرتها.. قد تم الالتفاف عليها من الأنظمة العربية بإمداد غربي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه!
فالانقلاب في مصر أعاد المصريين سنوات إلى الوراء، وزاد من خنق أهل غزة بإغلاق معبر رفح، وإقامة منطقة عازلة في سيناء. وفي سوريا تحالفت الدول الكبرى للقضاء على «تنظيم» في الوقت الذي فشلت فيه بإيقاف نهر الدم الجاري منذ أربع سنوات! ولبنان.. بلدٌ يُدار باعتباره حديقة سوريا الخلفية؛ قد تم تصدير «الأزمة» إليه لأسباب معروفة!! العراق أيضاً أصبح حديقة خلفية - منذ سقوط النظام البائد - للجيران! وقد سُلم اليمن «غير السعيد» باتفاقٍ دُبِّر في العلن «على عينك يا تاجر». وفي ليبيا محاولات لإجهاض الثورة بمؤامرة داخلية وخارجية.
وهناك مايسترو واحد يحرّك خيوط اللعبة، ويُحكم السيطرة ليُقيم مملكته.. ولم يرقَ بعد الفِعل السُّني - رغم كل ما يُبذل من جهود ويقدّم من تضحيات - لمستوى التحديات على أرض الواقع!
وتبقى الثورات مع ما يكتنفها من فتن وابتلاءات أفضل من ذلك الوضع الراكد الذي عاشته الشعوب منذ سقوط الخلافة وأنتج ضياع فلسطين ومعها الوجه الإسلامي الحضاري للعالم العربي... فهناك مرحلة مخاض لا بد منها ثم يكون الخلاص بإذن الله.. كم تطول مدتها؟ علمُ ذلك في طيات الغيب.. المطلوب منا فقط: الإعداد (المقترن بالوعي) والبذل (حيث يُطلب) والتحرك الحكيم (حيث المصلحة العامة)..
فأول دولة إسلامية جاءت بعد محنة ومِنحة الهجرة.. لم يكن الأمر نزهة بالنسبة للمهاجرين، بل كان اقتلاعاً لأرواحهم من جذورها، ومفارقة لديار أحبوها، وابتلاءات على الطريق.. ولم يأت التمكين إلا بعد جهادٍ وتضحيات.. حين تمكّنت العقيدة من النفوس، وتُرجم الإيمان عملاً وعطاءً.
وانطلاقاً من فلسفة العطاء بمفهومه الواسع.. كانت «منبر الداعيات»؛ لتبذل الفكر الصافي والرؤية الإسلامية للأحداث، لتقول كلمتها الحرة في زمن «الْتواء» الحروف و«تزويق» الكلمات، لتقدم اقتراحات وحلولاً لمشكلات امتزجت بنسيج الحياة، لتهدي.. لتُبلسم.. لتبني علاقات التعارف مع شخصيات من مختلف المشارب والبلدان.. لتُحقق خطوة للأمام على طريق الإعلام الملتزم.. ولتُتحفكم – كما عوّدتكم مطلع كل عام – بالجديد المميّز.. حيث تجدون ضمن هذا العدد عناوين جميلة ومضامين جذابة.
كانت منبر الداعيات منذ 21 عاماً، ورافقتُها منذ نشأتها: في السنة الأولى قارئة.. وفي العشرين مديرة ومحررة وكاتبة لها وبها (شباط 1995 – أيلول 2014).. وبما أن لكل شيء أجَلاً، فإنني أُعلم القراء الأعزاء بأنني سلّمتُ الراية لفريق عمل هم أهلٌ بإذن الله لاستكمال المسيرة؛ إذ أطمح لتجارب جديدة ولعطاء متنوّع أَصقُل به خبرتي التي وفقني الله بفضله إلى بنائها بالتراكم في المجلة وفي مختلف أروقة العمل الإسلامي ضمن إطار جمعية الاتحاد الإسلامي.. مع استمراري في المجلة «كاتبة»، ومع جُهوزيتي الدائمة بإذن الله تعالى لتقديم المشورة.
وإنني إذ أرجو التوفيق والسداد للقائمين على هذا العمل المبارك، أسأل الله تعالى القَبول لما سبق والتيسير والتسديد فيما هو آتٍ.. وأُسدي الحمد الكثير الطيب المبارك فيه للمتفضّل الأول المطلق على المجلة وعليّ طيلة مسيرتي هذه، ثم أشكر كل صاحب فضل أفدتُ منه الكثير أو القليل.. وفي الختام، التحية لكم – قراءنا – أطلب منكم الدعاء، وأستودعكم الله.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن