بل أمٌّ ثانية
قنبلة ذريّة.. لا تُطاق.. تتدخّل في كل شيء.. تكرهني.. تنتقدني دائماً أمام زوجي.. تسيطر على ابنها.. تتحكم في بيتي..
إنّها تدمِّر حياتي !!
كثيراً ما نسمع مثل هذه العبارات عندما تتناول “الكنّة” موضوع حماتها حتى يُخيَّل أمام السامع أن حماتها هي فعلياً “قنبلة ذريّة” كما يحلو لهم أن يصوِّرونها في الأفلام والمسلسلات العربيّة.. ولا يخفى على أحد دور الإعلام في البرمجة الفكريّة للمُشاهِد حتى باتت العروس تدخل إلى بيت الزوجيّة وهي على أهبّة الاستعداد لدحر أي هجوم متوقَّع من “الحماة”.. وقد تتلقّى دروساً على يد أمّها أو صديقاتها في كيفية صدّ الهجوم الحموي والعمل على إرساء الحواجز وتتحصّن خلف ”المتاريس” وجدران الكراهية المُصفّحة بينها وبين أم زوجها..
أهيَ حربٌ ضروس؟ قد تكون كذلك إن بقيت الزوجة أسيرة الأفكار المستشرية في المجتمع ولم تخرج من عباءته إلى سِعة الرؤية بمنظار شرعي والتعامل مع الآخرين خاصة الأقرباء كما يمليه عليها الإسلام الحنيف فالدين المعاملة!..
لا أنكر أنّ هناك بعض النساء اللواتي يتحكمن فعلياً بحياة الابن ويضغطن على الزوجة ويسيطرن على الأسرة بطريقة مجحفة دون أن يتركن مجالاً للكنّة أن تختار نمط حياتها وطريقة تربيتها لأطفالها ومعيشتها بالمشاركة مع زوجها دون تدخل من أحد ولكن حتى هؤلاء يجب التعامل معهنّ بالحسنى وبذكاء ابتغاء الأجر من الله جل وعلا وكسباً لقلب الابن الذي غالباً ما يكون متعلقاً بأمّه التي ربّته وتعبت عليه دهراً..
أختي الحبيبة.. دعيني أسلِّط الضوء على بعض الأمور واعذريني لأنني أركّز في الحديث عليكِ أنتِ لثقتي أنكِ القادرة على إصلاح الخلل نتيجة حرصكِ على بيتك وسعادة أسرتِك..
بداية إنّ طاعة زوجك لوالدته هو واجب عليه في دينه وقد قرن الله جل وعلا هذا الواجب بعبادته فقال عز من قائل “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً”ً.. وقد سأل رجل الرسول صلى الله عليه وسلم: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال :أبوك.
وإن برّ الأم له ثمرات كثيرة مباركة كرضا الله جل وعلا ومجلبة الرزق ودخول الجنة وتكفير الكبائر.. وهذه المنافع تشمل الابن المطيع وزوجه وأولاده والله جل وعلا أكرم..
ولئن كان الأمر في بعض الأحيان يفوق حدود الطاعة ليكون خضوعاً تاماً للأمّ فالزوج – ربما – يكون معذوراً في ذلك لأنه قد يتخيّل أن الطاعة هي عين ما يقوم به! فتراه يتمادى في الخضوع والأم تتمادى في التحكّم نتيجة تعلّقها بابنها.. وهذا التعلّق الزائد قد يعود إلى حاجتها إليه أو اعتقادها أنها أكثر مَن يعرف مصلحته.. وقد يُخَيَل إليها كأم أن ابنها انتُزِعَ منها حين تزوج فارحمي قلب أم تعلّقت بولدها بشكل كبير واثبتي لها أن ابنها ما زال ابنها وأنها كسبت بزواجه ابنة جديدة لها في العائلة. فأحياناً تتصرف الحماة مع زوجة ابنتها بطريقة قاسية لخوفها من أن تفقد ابنها بعد زواجه أو ربما تكون قد رسمت صورة للكنّة مغايرة عن الواقع أو ربما تكون قد عومِلَت من قبل هي نفسها بقسوة من حماتها فتعتقد أن هذا الأسلوب هو الذي يجب أن تتّبعه لتضمن ابنها إلى صفّها وطبعاً لا أبرّر هذا التعامل الفظ والتحكّم بالأسرة وإنما أحاول إيجاد بعض الأعذار لها لتستطيع الكنّة الاستمرار في المسيرة ضمن هذا البيت الزوجي وإيجاد حل مناسِب للمشكلة التي تعاني منها..
فاحرصي أختي على كسب أمّ زوجك وحاولي أن تعامليها بالحب والحنان والعطف والاحترام حتى لو كانت قاسية متسلّطة كارهة لكِ.. قد تقابل تصرفاتك الحسنة بالقسوة في بادئ الأمر وربما تتعنّت ولكنها في النهاية أُم وفي قلبها بذرة حنان حاولي التفتيش عن مصادر لترويها مستعينة بالله جل وعلا متوكلة عليه حق الاتكال.. واسمعي لوصية الله جل وعلا في كتابه الكريم “ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم” ومن أصدق من الله قيلا؟!
إنّ قربك من أمّ زوجك سيؤدّي بالضرورة إلى قربك من زوجك لأنه سيشعر أنك تحبينه أكثر إذا رآكِ وأنت تكرمين أمّه.. وإياكِ أن تصبّي جامّ غضبك على أمّه وتعدّدي له مساوئها فهذا سيقلبه ضدك وإنما اسردي له الأمور وأخبريه أنك من أجله مستعدة للتقرب منها وأن عليه أن يساعدك في هذا واتفقا على مخرجٍ مرضٍ لجميع الأطراف..
فتّشي بين طيات انتقادها لك أمام زوجك أختي الكريمة فلعلّك مقصِّرة في حق بيتك أو واجباتك العائلية فإن كان انتقادها في محله اعملي على تحسين وضعك وتفادي الأمور السيئة التي تقومين بها وتكون مثار نقد لأيٍّ كان.
واياكِ أن تنتقدي زوجك لبرّه لوالدته بل شجّعيه على الدوام لأخذ رضاها فهذا التوجيه من قِبلك سيقرّب زوجك منك أكثر وتقوى علاقتكما أكثر بإذن الله تعإلى.
ومن أهم الأساليب التي تقرّبين حماتك اليك هي:
- التهادي.. فكلما خرجتِ إلى السوق اشتري لها هدية فأثر الهدية على النفس كبير
- خدمتها خاصة إن كانت كبيرة في السن
- دعوتها إلى بيتكِ لقضاء بضعة أيام ومحاولة التودد لها وطبخ الأكلة التي تحب وغسل ثيابها وغيرها من الخدمات
- استشارتها في أمور تخصك أو تخص ابنها أو تربية أحفادها فهذا يُشعِرها بأهميتها وتقديرك لها ولخبرتها في الحياة
- مدحها دائماً خاصة في أمور تربيتها لابنها وخدمتها لبيتها واهتمامها بأولادك وما إلى ذلك
وأنت أقدر على موازنة الأمور واستنباط الأساليب المبدعة لتتقربي منها وتجعليها تحبك أكثر طبقاً لشخصيتها وظروفها..
أعلم أنّّ هذه الخطوات تستدعي منكِ الكثير من الاصطبار.. فلا تملّي أو تيأسي من أول محاولة لكِ تصحيح الخلل بل عيشي التحدي متوكّلة على الله جلّ وعلا بالدرجة الأولى ثم ذكائك الأنثوي وإصرارك على التغيير..
تخلّصي من الإشارات السلبية والكره المدفون في داخلك تجاه حماتك وابدأي صفحة جديدة مع زوجك ووالدته مهما كانت القسوة مريرة فالراحة التي ستجدينها في نفسك لأنكِ تراعينها وابنها – لله جل وعلا – لها لذة كبرى.. وعفوك عن ممارسات حماتك الخاطئة تجاهك هو عين الالتزام وثمرته رضا الله جل وعلا ومغفرة منه ورضوان.. “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”..
ثمّ إنّ الحياة الزوجية تحتاج إلى الكثير من التضحية لاستمراها واستقرارها وعلى المرأة بذل مجهود كبير للحفاظ عليها.. ويكفي أن يكون البديل عن عدم تقبّلكِ لها هو الطلاق الصامت أو الفعلي بينك وبين زوجك والتفكك لهذه الأسرة التي تراعين..
وتأكّدي أخيّة أنّكِ بانتهاجكِ أسلوب الرحمة مع والدة زوجكِ فإنّكِ تربّين أولادكِ على كيفيّة التعاطي برحمة معك حين الكِبَر ومع أمهات أزواجهم وزوجاتهم وبذلك فأنتِ تقدّمين للمجتمع نماذج طيبة مباركة..
وهمسة إلى الحماة.. هذه الزوجة قد وفدت إلى بيت ابنك لتشاركه الحياة بحلوها ومرّها ولترعى بيته وتبث فيه السعادة والهناء.. فلا أقل أن تكوني عوناً لها ونصيرا.. عامليها كابنتك فقد أصبحت فرداً من عائلتك ويحق لها أن تشعر بالراحة والسكينة مع ابنك.. كوني لها أمّا تكن لكِ ابنة!
وللزوج كلمة.. لأمّك حق عليك.. ولزوجتك حق عليك.. فراعِهما ولا تبخس زوجتك حقها وكن عادلاً.. وضَع حدوداً للعلاقة بينهما وكن إيجابياً بالتعاطي مع كليهما.. فواللهِ لن تحلو الحياة إلا حين يعمّ الوفاق والرحمة والمحبة بين القلوب!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة