أجمل العِرفان.. عند الكِبَر
إعداد: خديجة بيضون*
لبنان
تزوج ابن الأرملة الوحيد الذي يعمل موظفاً من ابنة الحسب والنسب.. وساهمت تلك الأم بمدخراتها في إنشاء بيت الأحلام، وساعدت الزوجين في تربية أولادهما الثلاثة خلال وجودهما في العمل..
لكن «دوام الحال من المحال»؛ إذ ساءت أحوال الحماة ومرضت مرضاً عضالاً!! وتاهت أفكار الزوجين وتملكتهما الحيرة!! أين سيضعان الأولاد؟ ومَنْ سيرعى الأم الحنون خلال مرضها؟.. ضاقت بهما الدنيا واختلفا على القرار: هو يريد من الزوجة الاستقالة من العمل، وهي تريد إحضار خادمة لرعاية أسرتها.. فكان لها ما أرادت. ولكن تلك الأم من يرعاها؟!! ارتأت الزوجة أن يذهب زوجها لمدة ساعة يومياً لرعاية والدته وتأمين احتياجاتها، وهكذا كان. ولكن الحمل ثَقُل عليه، ولم يعد يستطيع أن يعطي كل ذي حق حقه، فَرَجا زوجته أن يُحضر والدته لتسكن معهم، فرفضت بشدة وقالت: ما هذا كان اتفاقنا، القاضي بيني وبينك!!
كانت للزوجين مع «جمعية إصلاح ذات البين» جلسات عديدة ليعي كل منهما ضرورة التفاهم وتقديم التنازلات – إن كانا يقدّران المسؤولية – لتحقيق مصلحة الأسرة، وأهمية الرضا بالقضاء؛ فالراضي قادر دائماً على القيادة ويحسن استثمار طاقاته وتوجيهها بطريقة إيجابية.
أما المصلح الفطن فيعي أن الأمر لا يقف عند المشكلة الظاهرة، فيبحث عن تراكماتٍ لمشاكلَ تُركَتْ ملفاتها مفتوحة تنزف دون تضميد. وعندها انهالت قصص تقصير كلٍ منهما تجاه الآخر: عدم التعاون، البخل بالعواطف، إلقاء الأخطاء على الآخر، رفع الصوت، عدم محبة أهلها، والكثير... فعبرت الجمعية صحراء غضبهما، وناجت وجدانهما، وطلبت منهما التعاون بموضوعيّة لحل مشكلتهما بدل تضخيمها، وأن يشعرا بمعيّة الله عزّ وجلّ ويجعلا قول سيدنا موسى عليه السلام شعارهما: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، وأن يجعلا من هذه المحنة منحة وفرصة لرد الجميل لتلك الفاضلة فيوفرا على نفسَيْهما متاعب مادية ونفسية، وأن ترحم زوجها في حيرته وتقصيره وتتّعظ من قول النبي (ص): «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات...» (متفق عليه)، عافانا الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
• رأي الشرع في بعض مسائل هذه المشكلة مع فضيلة القاضي «عبدالعزيز الشافعي» حفظه الله.
- أبدأ بالقول أنّ هذه من أصعب المشاكل التي قد تواجه رجلاً ملتزماً متوسّط الحال يريد أن يرعى الله تعالى في والديه وزوجته وأولاده، ويقوم بالقسط بينهم، ويعطي كل ذي حقّ حقّه.
1. هل يحق للزوج أن يطلب من الزوجة ترك العمل؟
• من المعلوم أنّ لكلّ من الزوجين ذمّة ماليّة منفصلة، وعلى هذا يجوز للزوجة العمل على تنمية مالها بالاتّجار به أو اتّخاذ صنعة لها وفق الضوابط الشرعيّة، بشرط أن لا يؤثّر ذلك على واجباتها تجاه زوجها وبيتها. من ناحية أخرى، فإنّ وجوب النفقة للزوجة على زوجها إنّما هو مقابل الاحتباس له في المنزل الزوجيّ. وعلى هذا، يجوز للزوج الطلب من زوجته التفرغ لأداء واجباتها الزوجيّة والتربويّة، وفي حال رفضها تسقط نفقتها في القضاء.
2. أيحق للزوجة رفض إقامة حماتها في منزل الزوجية؟
• من حقّ الزوجة أن تطلب من زوجها أن لا يسكن معها أحد من أهله، فإن فعل جاز لها أن تطلب منه تأمين مسكن شرعيّ مستقل لها ولأولادها؛ فإن لم يفعل، جاز لها ترك المنزل الزوجيّ والمطالبة بالنفقة.
3. هل يُلزَم الزوج بتأمين خادمة للزوجة إن أَلحّت في طلبها؟
• يجب على الزوج تأمين خادمة للزوجة إذا كان موسراً وكانت ممن يُخدم. أمّا إذا كانت حاجتها للخادمة بسبب انشغالها بالعمل فقط ولم يكن موسراً فلا يجب ذلك عليه.
4. وإن أحضرها لها، فهل لها الحق في أن تحتفظ براتبها لنفسها؟
• إنّ للزوجة ذمّة ماليّة منفصلة، وليس للزوج أن يطلب منها أيّ مال، بل ينفق عليها هو ولو كان معسراً، إلا إذا كان خروجها للعمل دون إذن منه فلا تلزمه نفقتها. ويجوز للزوجة أن تستأجر خادمة لها بمالها، غير أنّه لا يجوز لها أن تُسكنها في منزل زوجها أو تُدخلها عليه دون رضاه.
5. هل من نصيحة أخيرة للأزواج في هذا الشأن؟
• من الممكن حلّ مثل هذه المشاكل بتواصل أفضل بين الزوجين مع حسن النيّة وقصد الإصلاح.
وقد كان الأحرى بالزوج أن يؤمّن الخادمة لوالدته لترعاها بإشرافه، فيستغني عن طلبه إسكان أمّه معه، وبذلك يكون قد أعطى كلاً منهما حقّها. لقد قام الزوج بما لا يجب في حقّه - وهو جلب الخادم - ليُرضي زوجته، فقصّر في حقّ والدته. ثمّ أراد أن يجبر ذلك التقصير بمنع زوجته حقّا من حقوقها وهو الاستقلال بمنزلها.
وإلى كلّ زوجةٍ أمِّ أقول: أعيني زوجك ليكون مع أمّه كما تريدين أن يكون أبناؤك معك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أمينة سر «جمعية إصلاح ذات البين».
ملاحظة: برئاسة الأستاذة المحامية مهى فتحة تقوم «جمعية إصلاح ذات البين» – التي تسعى بجهود حثيثة إلى رأب الصدع بين الأزواج وإيجاد الحلول قبل أن يصل بهم الأمر إلى الطلاق – مشكورة بإمداد «منبر الداعيات» بالمشكلة المطروحة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن