كاتبة وفقيهة سورية مقيمة في الأحساء، دكتوراه في أصول الفقه، ومستشارة علاقات زوجية.
أزمة الوعي ومقاومة الوعي
تحت باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رب مبلَّغ أوعى من سامع» أخرج البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لِيُبلِّغ الشّاهِدُ الغَائِبَ فإن الشّاهِدَ عسَى أنْ يُبلِّغَ من هو أَوعَى له منه». بهذه الكلمات المضيئة رسَّخ النبي صلى الله عليه وسلم أهمية الوعي وأثره في فهم التبليغ، وذلك في خطبة الوداع التي رسم فيها خطوطاً أساسية للحياة للبشرية. لقد خلق الله الإنسان وفضَّله وكرَّمه على سائر مخلوقاته بقوة التمييز الواعية المدركة، ومن جملة إكرامه أن رشحه لمهمة الخلافة في الأرض (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة: ٣٠)، فكان التكليف بعمارة الأرض (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود: ٦١)، وهذه العمارة تحتاج إلى وعي التبليغ (لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) (الحاقة: 12).
تضع اللغة الوعي في إطار معنى (الضم) في أصل المعنى اللغوي (القاموس المحيط)، ولكن الاستعمال يدل على أن الوعي: سلامة الإدراك والفهم العميق، وكأن الواعي يجمع شتات الأمر ولبه فيضمه إلى بعضه. والوعي يتناول الماضي والحاضر والمستقبل، فالهوية التاريخية والكينونة الحالية تسهمان بشكل كبير في نمو الوعي بالذات وبموقع الآخر، كما أن استشراف المستقبل والنظر في ظلال الواقع ومآلاته يعمق الوعي. مما سبق فإن «الوعي» هو الإدراك العقلي التام للواقع ومتطلباته، والماضي وسننه، مع استشراف المستقبل. ويكاد يُجمع المثقفون المسلمون على أن أزمة الأمة اليوم هي أزمة وعي وأزمة أخلاق، والوعي سابق للأخلاق؛ لأنه منبعها وسبب صناعتها. وإذا كانت المشكلة في الوعي، فقد نشأ تيّار بفعل العولمة والتغريب يقاوم الوعي، وتحولت الأزمة إلى أزمة مقاومة الوعي وترسيخ القابلية للتقليد والتخلف. وإذا كان المبلَّغ قد يكون أوعى من السامع فلا شك أن السبب يكمن في مقدار البناء الفكري لدى المبلَّغ، ومن هنا يبرز دور المرأة الجوهري والمحوري في صناعة الوعي ومواجهة أزمة الوعي ومقاومة الوعي.
إن العناية بالمرأة وإعادتها إلى دور البناء الذي حباها إياه التشريع الإسلامي لهو من أوجب الأمور وأعظمها، ليس لأن المرأة هي التي لعب المستشرقون والعلمانيون على وترها بقصد التشويه للدين الحنيف فحسب، بل لأنها حجر أساس في عملية البناء الحضاري والقيمي، لما لها من دور في التربية وغرس القيم في سنوات الحياة الأولى؛ فهي التي تصنع وعي الذكور والإناث، ولم يتراجع الوعي في الأمة إلا عندما تقلص دورها إلى مجرد (خادمة) لا تهتم لتنشئة العقول وتربية النفوس!
وفي الوقفات القادمة سيكون الكلام حول آليات الوعي وأساليبه وعوائقه وصناعته، وصفات الفرد الواعي والمجتمع الواعي، ولن تكتمل الفائدة من تلك الوقفات إلا بإرادة مخلصة لله تعالى في طلب التغيير (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُوْنَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوْا مَا بِأَنفُسِهِمْ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّنْ دُوْنِهِ مِنْ وَالٍ)(الرعد: 11).
والحمد لله رب العالمين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة