كيف ننمي الحكمة في الصغار؟
من واجبات "الرجل" الأساسية:
التفكير، والتخطيط، وإدارة شؤون الأسرة، وإيجاد الحلول، وإعطاء الآراء البنَّاءة.
الرجل يتروَّى ويُحلل ويُرتب الأفكار ويوازن فيما بينها، بحيث لا يطغى جانب على آخر، ويُرتِّبها حسب الأولويات، ويُكوِّن رأيه على مهَل في كل أمور الحياة، ولا يتسرَّع في الحكم، ويسمع من كل الأطراف، ولا يُصدِّق كل ما يقال، ولا يأخذ الأمور بالشبهات، ويتجرَّد عن الهوى، وكلها أمور معنوية تتربَّى بالتجرِبة الحيَّة والخبرة.
والخلاصة: العقل ضرورة وأساس "للرجولة"، ولا يكتمل إلا بأمرين:
أولاً: بمكابدة الحياة اليومية والتعامل مع الن
ثانيًا: بالثقافة العامَّة وسَعة الاطِّلاع، وهاك الطريقة
لكي يصبح الرجل عاقلاً حكيمًا ومتزنًا عليه بكثرة القراءة، والرجل واعٍ ومُطَّلِع ومُثقَّف؛ أيْ: يعرف شيئًا من كل شيء، ويعرف كل شيء عن تخصُّصه، والأسرة التي يقوم عليها "الرجل المثقف" تكون متميِّزة، وبلا "ثقافة" وبلا "وعي" لا يمكنك أبدًا أبدًا الحصول على "رجل"، هذا مستحيل! وستحصلين فوقها (من الزوج الغِرِّ والأب الجاهل) على مصائب تمشي على الأرض، وتُخرب جيلاً كاملاً؛ من أجل ذلك جعلتُ "الثقافة" الصفة الأولى.
الثقافة تختلف عن الشهادة الجامعية، والجامعات تُخرِّج "مِهنيين"، ولا تُخرج مثقفين! ومهما تفوَّق الشاب ومهما نبغ وارتقى في الدراسة، تبقى "الشهادة" مختلفة عن "الثقافة"، ولو درس أصعب فرعٍ وأبدع فيه، فإنه يبقى جاهلاً في المجالات الأخرى، حتى يقرأ ويتثقَّف.
والثقافة مهمة جدًّا، وهي أساس "الرجولة" وركيزتها، ليس لأنها "تَهَب المعلومات"؛ فهذا غير مهم والمعلومات تُنسى؛ وإنما "لأنها تُعطي أولادَنا أكثر من ذلك بكثير، إنها تَهَبُهم سَعَة الأفق، وبُعد النظر، وقوة التحمُّل النفسي، وتُعلِّمهم كيف يحلُّون مشكلة"، إنها مفيدة لنا جميعًا، وهي المفتاح للنجاح والداعمة للنضج؛ فاجعلي ابنك مثقَّفًا، وإذا كان ابنك غير مُحب للقراءة، فهذه كارثة، عليكِ تداركها، فضعِي أمامه كتبًا (ملوَّنة جذَّابة مصوَّرة) في الموضوعات التي يتحدَّث عنها رفقاؤه، والتي يحبها هو ويسأل عنها ويطمح لدراستها مستقبلاً، وشجِّعيه وأمسكي الكتاب واسردي مباحثه، وأثني على صغر حجمه وجمال أسلوبه والفائدة الكبيرة منه، وهوِّني عليه: "لا تُثقِل على نفسك، ولو قرأت كل يوم 5 صفحات، لأنهيت الكتاب على نهاية الأسبوع"، ولا ترْضَي استبداله الكمبيوتر بالكتاب، فالكتاب أوثق وأسهل، ويمكننا وضع علامات عليه، والقراءة بتركيز، والنت يُشتِّت (وتتخلَّله الدردشة)
وكلما أنهى كتابًا، كافئيه بهدية أو مبلغٍ من المال، وشجِّعيه لينقل ما قرأه لأصدقائه أثناء مسامرتهم، وحين يرى تفوَّقه على أقرانه، سيتشجَّع ويحب القراءة.
فإن لم تقدري على "تحبيب القراءة إليه"، انتقل عبء تثقيفه إليك، وهذه بعض الإرشادات: "ناقشي الموضوعات الساخنة أمامه عن قصد، واسمعي بحضرته الأخبار وعلِّقي عليها، وفي السهرات العائلية تكلَّموا بالعلم والأدب وآخر الاكتشافات"
وستعانين خلال ذلك من إعراضه، وسترهقين نفسك بجمع المعلومات، ولكنَّك ستحصلين على نتائج باهرة لكليكما.
وانصراف الناس عن القراءة من مشكلات هذا العصر، وكذا اكتفاء أكثرهم بالشهادة الجامعية، ثم بقراءة الجرائد وسماع الأخبار، متذرِّعين بأنهم لا يُحبون القراءة، وليس عندهم وقت للمطالعة.
ومن الناس من يرى أننا في عصر التخصُّصات، ومن حاول القراءة في غير اختصاصه أصبح عُرضة للزلل والفهم الخاطئ للنصوص (على مذهب من قال: "ولا تأخذ القرآن من مصحفي")، ويكفي المرء (بالإضافة إلى تخصُّصه) أن يُلمَّ ببعض المعلومات الأولية الضرورية، ويتابع ما تبثُّه الفضائيات ووسائل الاتصال الأخرى الكثيرة؛ ليصبح مثقَّفًا بشكل جيد!
ولا أدري حقيقةً مَن الذي لقَّن الناس هذا الكلام؟! فرغم كثرة المغريات لم يستطع شيء أن ينافس الكتاب على مكانته العظيمة ودوره النافع، والمنح التي تقدمها القراءة لا يقدر عليها سواها؛ بما تُفتِّق به الذهن، وتُوقِد الذكاء، وتُوسِّع الأفق، وبما تهدي من العبر والعظات، والثقافة العامة التي تنتج عن القراءة تُولِّد الحكمة وبُعد النظر، والاطلاع المستمر على سائر العلوم يزيد خبرات الإنسان، ويعلِّمه كيف يتلافى الأخطاء والأخطار، ويزوِّده بحلول لمشكلاته، وهذا أكثر ما يحتاجه المرء ليحيا حياة سعيدة وناجحة
وأحسن طريقة قراءة الكتب، وخير ما يُقرأ "كتاب الله"، ثم ما يتعلَّق باختصاص المرء، وعلى الإنسان الواعي أن يقرأ بعد ذلك في كل علم، وأن يطرق الأبواب كلَّها؛ ليحصل على الفائدة المرجوَّة من وراء القراءة، والقراءة المتنوعة حاجة ضرورية؛ ولكل لون من ألوان المعرفة فوائد جمَّة، ومَن أهمل جانبًا منها فقَدَ حلاوته وعوائده؛ فالقراءة في الرقائق تقوِّي الإيمان وتدفع الإنسان نحو الأفضل في خُلُقه وسلوكه العام مع الناس.
• والقراءة في الأدب تَبسُط اللسان وتُصقِل البيان
• والقراءة في التاريخ تربط الأسباب بالمسببات، وتفسِّر الأحداث، وتبعث روح التفاؤل؛ فحين يقرأ المرء عن المحن التي أصابت الشعوب المسلمة ويرى كيف تجاوزوها وساد الإسلام من جديد، ترتفع المعنويات، ويتيقن أن الأيام دُوَل، ويستبشر بالفرج القريب، والنصر الأكيد.
• والقراءة في السياسة والاجتماع ضرورة لتعايش سليم مع الناس.
• والقراءة في سير المشاهير تُبيِّن سبُل النجاح، وتكون عونًا على تجاوز الصعاب في مجالات الحياة المتنوعة.
• والقراءة في علم النفس تهَب المقدرة على فهم النفس والآخرين، ثم التأثير فيهم.
• والقراءة في الجغرافية فيها استشعار لعظمة الله.
• والقراءة في علم الرياضيات تنمِّي العقل والذكاء.
وقد يدرك الناس هذه الخبرات مع مرور الأيام بالتجربة، إلا أن العلم والمعرفة المسبقة يوفِّران الوقت والجهد.
• وأهم العلوم العلم بالشرع: ﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [البقرة: 269] والحكمة: "العلم والمعرفة بدين الله، والفقه فيه والاتباع له، وكتاب الله حكمة، وسُنة نبيِّه حكمة"، وقيل للعلم: "حكمة"؛ لأنه يُمتَنع به، وبه يُعلَم الامتناع من السفه، وهو كل فعل قبيح، وفي البخاري: ((من يرد الله به خيرًا، يفقهه في الدين)).
◘ ◘ ◘
والقراءة لا توفِّر المعلومات وحسب؛ وإنما ترقى بفكره وخُلقه ودينه وقيمه، وتمدُّه بالحكمة والحُنكة اللازمة لمواجهة أمور الحياة ومصاعبها، ويزداد فهمًا لكل ما يدور حوله، ويصبح مرنًا وأكثر قدرة على التعامل مع الناس والأحداث، الإنسان لا يستفيد من المعلومة التي يقرؤها في الحال، ولا يستفيد منها مباشرة، بقدر ما يستفيد منها مِن بَعد ومن حيث لا يدري؛ فهي تكمُن في عقله الباطن، فإن جاءت مناسبتها، ظهرت إلى السطح، وأعانتْه في حكمه على الأمور وفي سلوكه وتصرُّفاته.
والقراءة تنمِّي حواس الإنسان جميعًا، وتخفِّف من توتُّره، وتعمل على إيقاظ الفكر، وترفع المستوى العقلي، وتوسِّع المدارك، وتُحفِّز التطلُّعات إلى ما هو أعمق، وتُهيِّج النفوس على الاستزادة، والتوغُّلُ في المعرفة يُهذِّب الذوْق، ويُقوِّي الإيمان، ويزيد المرونة والخبرة، ويُنمِّي الإمكانات، ويفتح مجالات جديدة، ويُوسِّع مساحة التصوُّرات؛ فتكثر الطرق لحلِّ المعضلة الواحدة، وهذا التنوُّع يُحفِّز الإنسان ليتوصَّل إلى الطرق المثلى لحل مشكلاته، وليختار منها ما يناسب ظروفه وإمكاناته.
ولو اتَّبع ابنك هذه النصيحة وقرأ، وهبَتْه القراءة كل مزايا الرجولة، ولأصبح رجلاً بالسليقة والفطرة، فاهتموا بالقراءة أيها المربُّون، واقرؤوا أنتم وأولادكم كل يوم ما لا يقلُّ عن عشر صفحات، واقرؤوا في كل مجال؛ فإن فعلتم، ارتقيتم وكنتم من المفلحين الناجحين في سائر أمور الحياة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة