محمد رسول الله ... أَفَلا نشتاق إليه؟!
ربيع الأول ربيعه للروح كالبلسم، ربيع انبثق منه النور والفجر الندي، شهر زينه الله بمولد خير البشر الحبيب المصطفى المختار صلى الله عليه وسلم، مَنْ أشرقت بطلعته شمس النهار فكان مولده للمؤمنين سروراً وللمحبين ربيعاً وللقلوب قوتاً، وللأرواح حياة.
كانت ولادته صلى الله عليه وسلم بداية تحول لمجرى التاريخ ونقطة فاصلة بين الكفر والإيمان، بين الجاهلية والإسلام،بين الظلام والنور، بين الباطل والحق، بين الضلال والهدى.
هو آية من آيات الله وعجيبة من عجائب الكون، اصطفاه الله واجتباه ليكون نذيراً وبشيراً وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً. شرّفه الله بالرسالة وأثنى عليه في كتابه المبين: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 68). هو على المؤمنين شفيق وحريص، وبهم رؤوف رحيم، قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة: 128). وهو رحمة للبشرية كلها: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 21). استطاع أن يؤلّف بين القلوب المتنافرة والنفوس المتناحرة، وينير الأبصار والعقول التائهة، ويهذب الضمائر ويُحيي القلوب الميتة بعد أن تخبط الناس في ظلمات الجهل والشرك والضلال والأوهام والآثام، وفي ذلك يقول تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران: 103)، وعبر عن ذلك حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حين قال: «إنّا كنا في جاهلية وشرّ فجاءنا الله بهذا الخير» (رواه الشيخان).
حاز رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفات الكمال والفضائل والمكارم كلها، وإنّ سيرته العطرة ليفوح في سطورها عبق أنوار المحبة والرحمة، والصدق والوفاء، والأمانة والإباء، والصبر والتضحية، والخشوع والوجل لله عز وجل.
كان صلى الله عليه وسلم أكرم الناس عشيرة وألينَهم عَرِيكة وأوسعهم صدراً وأصدقهم لهجة، كان لطيفاً رقيقاً، يُقبل بوجهه على الناس وكأنه واحد منهم، يمسح دموع البائسين، ويخفف آلام المحزونين والمتألمين، ويواسي المكروبين، ويعطف على الفقراء والمحتاجين، ويرحم الأرامل والأيتام والمساكين. وقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلقه فقالت: «كان خلقه القرآن» (رواه مسلم)، ولهذا فقد أحبه الصحابة رضوان الله عليهم حباً لم يعرف التاريخ مثله حتى قال أنس رضي الله عليه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل وما على الأرض شخصٌ أحبَّ إلينا منه» (رواه أحمد). لقد ترجموا حبهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم ترجمة صادقة، رجالاً ونساء، صغاراً وكباراً، كان الواحد منهم يفتدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله» «نحري دون نحرك» (رواه البخاري)، وقد سئل علي رضي الله عنه: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: «كان والله أحبَّ إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ».
وهذا زيد بن الدَّثِنَّة رضي الله عنه يقول قبل أن يُقتل: «والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي!» (ذكره ابن اسحاق بإسناد لا بأس به)... وهذه امرأة من الأنصار يؤتى بأبيها وأخيها وزوجها وهم قتلى يوم أحد فتقول: ما فعل رسول الله؟ قالوا: خيراً، هو بحمد الله كما تحبين. قالت: أرونيه حتى أنظر إليه. فأشير لها حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل» (رواه البيهقي في الدلائل).
أيُّ حب يحمله هؤلاء المحبون لنبيهم صلى الله عليه وسلم؟! وأين نحن من تلك المحبة الصادقة؟! إن المعيار الصادق لمحبته عليه الصلاة والسلام هو قولُه تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران: 31) وقولُه صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين» (رواه البخاري).
فهل حققنا هذه المحبة؟ إن محبته صلى الله عليه وسلم عمل وافتداء واتباع وليست قولاً وادعاء.
فما أرخص الحب إن كان كلاماً تدعيه، وما أغلاه إن كان عملاً على خُطا الحبيب تبتغيه!
أفلا نحب نبينا صلى الله عليه وسلم ونشتاق إليه وهو الذي يقول: «وددْتُ أنّا قد رأينا إخواننا» قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد...» (رواه مسلم). رسول الله يشتاق إلينا ويحبنا أفلا نشتاق إليه ونحبه ونعظمه ونتبع هديه؟! رسول الله يذكرنا ونحن
نغفل عنه وهو الذي تمنى على الله أن تبلغ أمته شطر أهل الجنة (في حديث متفق عليه)... رسول الله حبيبنا همه أمته يخشى عليها يوم الفزع الأكبر ويقول: «أمتي أمتي» (جزء من حديث رواه مسلم) وغيره يقول: نفسي نفسي... فهل بعد ذلك نتنكّب عن طاعته وسُنّته؟
فيا رسول الله... يا زينة الدنيا وبهجتها... يا طاهراً أفاضت طهارته على كل البشر:
لك يا نبي الله في أعماقنا
قِمَمٌ من الإجـلال والإكبــار
علمتنا معنى الوفاء لربنـــا
والصبرَ عند تزاحم الأخطار
فرجاؤنا ودعاؤنا ويقيننـــا
وولاؤنـــا للواحـــــــد القهــــــار
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة