حصاد 4 أعوام للثورة السورية
خاص منبر الداعيات
حصاد 4 أعوام
للثورة السورية
في حوار مع الأستاذ مجاهد ديرانية
1. «منبر الداعيات»: على ضوء المعطيات الراهنة: تعدد الفصائل الجهادية، الإنجازات العسكرية الأخيرة، تنظيم الدولة، والتحالف الدولي للقضاء عليه، وجرائم النظام وحلفائه: كيف تقرأ واقع الثورة اليوم؟
• لقد واجهت الثورة السورية في سنتها الرابعة (2014) ضغطاً شديداً من عدوّين كبيرين: «نظام الأسد» الذي تلقى دعماً هائلاً غيرَ مسبوق من حلفائه الإيرانيين والمليشيات الشيعية الطائفية المرتبطة بإيران، و«داعش».
تسبب ذلك الضغط المزودج، ومعه الحصار المستمر على الثورة وحرمانها من السلاح، في تراجع المَدّ الثوري العسكري، حيث فقدت الثورة في السنة الأخيرة الجزءَ الأكبر من مكتسباتها الميدانية التي حققتها خلال السنتين السابقتين، فصارت سوريا موزَّعةً حالياً بين أربع قوى رئيسية هي:
1. النظام الذي نجح في إعادة احتلال مواقع استراتيجية مهمة كان الثوار قد حرروها في وقت سابق، وهو يسيطر حالياً على ثلث مساحة سوريا، الثلث الأهم الذي يضم العاصمةَ وبعضَ المدن الكبرى (حمص وحماة وإدلب) ويشمل القسم الأكبر من غرب سوريا.
2. حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يسيطر - بالتعاون مع قوات النظام السوري - على النصف الشمالي من محافظة الحسكة، وينفرد بالسيطرة التامة على منطقة عفرين في أقصى الشمال الغربي.
3. داعش التي احتلت ثلاثة أرباع المناطق التي حررها الثوار في حربهم مع النظام، وباتت تسيطر على نصف سوريا الشرقي كله، باستثناء الجزء الخاضع لسيطرة الأكراد في محافظة الحسكة.
4. القوى الثورية المستقلة، أو ما يسمى اصطلاحاً «الفصائل الإسلامية» و«كتائب الجيش الحر» (مع عدم موافقتي على هذه التسميات الاصطلاحية التي تكرّس الفُرقةَ في الصف الثوري العسكري). وقد انحسرت الأراضي التي تسيطر عليها هذه القُوى المختلفة بحيث صارت تقتصر على نحو 15% من مساحة سوريا، وتضم: النصف الجنوبي من محافظة حوران، وغالبية محافظة القنيطرة، وأجزاء من محافظتَي دمشق وريفها (المناطق المحاصَرة في الغوطتين الشرقية والغربية وجنوب دمشق والقَلَمون) ومن ريف حمص الشمالي وريفَي حماة الشمالي والشرقي، وجبل الأكراد، والجزء الأكبر من محافظة إدلب، وثلث مدينة حلب، بالإضافة إلى ريف حلب الغربي كاملاً وأجزاء من ريفَيْها الشمالي والجنوبي.
2. «منبر الداعيات»: بعد مرور 4 أعوام على اندلاعها: ما أبرز إنجازات الثورة السورية وما أخطر إخفاقاتها؟
• لا ريب أن أولَ وأعظم إنجاز للثورة هو الثورةُ نفسها، فلم يتصور أحد - حتى في أكثر الخيالات جموحاً - أن يتجرأ السوريون في أي يوم من الأيام على تحدي نظام الاحتلال والاستبداد والطغيان الأسدي والانتفاض عليه. الإنجاز الثاني هو صمود الثورة واستمرارها لمدة أربع سنوات، برغم كثرة الأعداء وقلّة الأصدقاء وشدّة الحصار ومنع السلاح عن المجاهدين، مقابل دعمٍ لامحدودٍ يتلقاه النظام من دول قوية غنية منذ أربع سنوات بلا انقطاع.
أما الإنجازات التفصيلية فهي أكثر من أن تحصى، فقد حرّر الثوار مساحاتٍ واسعةً من سوريا تقدَّر بنحو سبعين بالمئة منها (قبل أن تطعنهم داعش في الظهر وتستولي على ثلاثة أرباع الأراضي التي نجحوا في تحريرها). وقبل تحرير الأرض حرّرت الثورةُ الإنسانَ السوري من الخضوع والخنوع للطغيان. كما نشرت الثورة الوعيَ العام والإحساسَ بالمسؤولية.
ومن خصائص الثورة السورية وإنجازاتها العظيمة أنها كانت أول ساحة جهادية كشفت الستارَ عن الوجه القبيح للغلاة الذين اقتحموا الساحات الجهادية السابقة وأفسدوها بغلوّهم وفساد منهجهم. صحيـــــح أن الملايين ما يزالون مخدوعين بهم في أنحاء العالم الإسلامي، ولكن نستطيع أن نؤكد -بالمقابل -أن عشرات الملايين من المسلمين قد تلقَّوا «التطعيم الوقائي» ونجَوا من الانخداع بمشروعات الغلاة، كما أن الكتلة الجهادية الكبرى في سوريا وصلت إلى درجة عالية من الوعي فصارت الساحة الجهادية السورية - بأمر الله - عصيّة على الاختراق والتدمير الذي حصل في ساحات جهادية سابقة في العالم الإسلامي.
3. «منبر الداعيات»: هل تعلّق أية آمال على أداء «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»؟
• إن الأمل في «الائتلاف الوطني» شبه معدوم، فهو كيان مشوَّه مختطَف، تكوّن منذ البداية برعاية غربية أمريكية مباشرة بهدف احتواء المعارضة السياسية وإبقائها تحت النفوذ الخارجي، ثم تسلطت عليه القوى الإقليمية والدولية فاخترقته ومارست نفوذها على كُتَله المختلفة. كما أنه لم يملك قرارَه المستقلّ في أي يوم من الأيام، مما تسبب في قطيعة شبه كاملة بينه وبين الجسم الثوري والعسكري في الداخل.
وقد تميزت سيرة الائتلاف منذ نشأته وخلال السنتين اللاحقتين بالتعثر والنزاعات الداخلية، وسيطر عليه الشلل المؤسَّسي بسبب طبيعته القائمة على الكتل والمحاصصات. وتسببت الصراعات والتناقضات الداخلية في إنهاكه وعزله عن الثورة، كما ساهمت في عرقلة أهم المؤسسات الثوريــة السيـاسية التي كان يُنتظَر من الائتلاف إنجازُها، وهي «الحكومة الوطنية الانتقالية»، مما أدى إلى انهيار الحكومة لفترات طويلة وإلى تعطيل أدائها بصورة كلية أحياناً وجزئية في أحيان أخرى.
على الرغم من ذلك كله فإنني أرى أن على الثورة أن تحاول الاستفادة من الائتلاف والحكومة إلى الحد الأقصى، لأنه ما يزال إلى الآن الأداةَ السياسية الوحيدة التي تملكها الثورة، مع الاستمرار في بذل الجهد لتوليد كيان سياسي ثوري جديد يمثل الثورة تمثيلاً حقيقياً صادقاً ويملك النضج السياسي الكافي للتعامل مع الواقع الإقليمي والدولي المعقد، بحيث يحل هذا الكيان الجديد (في حالة تأسيسه واختباره) محل الائتلاف الوطني الذي لا يُتوقَّع منه خير حقيقي لسوريا والثورة السورية على المدى الطويل.
3. «منبر الداعيات»: أي مستقبل ينتظر سوريا إذا ما أخذنا بالاعتبار الجيل الذي وُلد في ظلها وترعرع في مخيمات اللاجئين أو على أصوات الصواريخ والطائرات؟
• إننا نؤمن بأن الله لا يختار لعباده إلا الخير، وقد يكون في الشر الذي نكرهه خير كما قال تبارك وتعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) (البقرة: 216). إن الجيل الجديد، رغم كل ما يعانيه من ظروف قاسية وجوع وخوف وتشرد وحرمان، قد تحرر من «السجن الفكري والتربوي» الذي سُجنت فيه الأجيال الثلاثة السابقة، حيث سيطر النظام البعثي الطائفي لنصف قرن على المؤسستين اللتين تشكلان شخصيات وعقول الناس، وهما المؤسسة الإعلامية والمؤسسة التعليمية، فأفسد الأخلاق وغرّب القيَم وحارب الدين.
اليوم يملك الدعاة والعلماء في سوريا فرصة ذهبية لإصلاح ما خرّبه النظام في السنين الطوال، إن المشكلة الكبرى التي واجهها الدعاة في القرن الأخير في أكثر البلدان الإسلامية هي المشكلة نفسها التي واجهها إمام الدعاة وسيد المرسلين محمد (ص)، حينما قال: «خلّوا بيني وبين الناس» (أو كما قال يوم الحديبية: يا ويْحَ قريش، لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب؟) (مسند الإمام أحمد).
فكل ما يريده الدعاة في كل البلدان الإسلامية كان فرصةً للدعوة، إلا أن الطواغيت والطغاة حرموهم هذا الحق، فحاصروهم ولاحقوهم بالمنع والتضييق والاعتقال حتى لا يصل صوت الحق وحتى لا يتحقق مشروع الإصلاح. الحالة في سوريا اليوم هي النقيض تماماً: إن المجال مفتوح للدعوة، والفرصة متاحة للدعاة بلا قيود ولا حدود، وعامة الناس يرحّبون بالدعاة والعلماء والمربين، بل إنهم يستَجْدون ويلحّون ويرغبون في وجود الدعاة والعلماء في كل قرية وناحية من المناطق المحررة، وإن استغلال هذه الفرصة التاريخية هي أعظم امتحان يواجهه «مشروع الدعوة الإسلامية» منذ عشرات السنين، أسأل الله أن ينجح فيه وأن لا تضيع هذه الفرصة ثم نبكي عليها ونندم في ساعة لا ينفع فيها الندم.
4. «منبر الداعيات»: الثورة السورية أمام تحديات أبرزها إعادة هيكلة البنية الفكرية للإنسان السوري ليتمكن من التعامل مع متطلبات الثورة ومعطيات الواقع: مَن المَعنيّ بالتصدي لهذه المهمة؟ وما نصيبها من الاهتمام؟
• من المعلوم في الدراسات الاجتماعية أن تغيير المنظومات الثقافية الموروثة من أصعب الأشياء على الإطلاق، لأن الجماعة البشرية تتشبّث بالمألوف الموروث وتدافع عنه بشراسة، وهذه هي الحالة التي سمّاها القرآن الكريم «الآبائية»: (قالوا أجئتنا لتلفتَنا عمّا وجَدْنا عليه آباءنا؟) (يونس: 78)، (قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) (المائدة: 104)، (قالوا بل نتبعُ ما وجدنا عليه آباءنا) (لقمان: 21)، (قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) (الشعراء: 74)، (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) (الزخرف: 22).
ويشمل الموروث الثقافي منظوماتٍ عدةً: دينية واجتماعية وثقافية، وهي قد تكون في أصلها صالحة، ولكن طول العهد وتعاقب الأجيال يتسبّبان في تسرّب النقص والخلل إلى المناهج الصحيحة والأفكار الصالحة، فتحتاج إلى «إعادة معايرة» بين وقت وآخر. ولعل هذا هو العمل الذي وَكَله الله إلى العُدول الذين يهيّئهم - بحكمته ورحمته - جيلاً بعد جيل: «يحمل هذا العلمَ من كل خَلَف عُدوله، يَنفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (حديث شريف راوه البيهقيّ).
إننا بأشد الحاجة اليوم إلى تنقية الموروثات الدينية والاجتماعية ونفي ما طرأ عليها من فساد، لا سيما بعد تسلط الحكم البعثي النصيري على سوريا لمدة خمسين عاماً، ولن نجد وقتاً أنسب من هذا الوقت لتنفيذ هذه المهمة الجليلة. لماذا؟ لأن أيّة محاولة للتغيير تواجَه دائماً بمقاومة شديدة من داخل البيئة القديمة المتكلّسة التي غلبت عليها الآبائيةُ وتقديس القديم الموروث، وهذا خبر سيئ بالنسبة لروّاد التغيير في كل البيئات والأوقات، ولكن الخبر الجيد بالنسبة للدعاة والمصلحين في سوريا اليوم هو أن هذه المقاومة تخفّ كثيراً، أو أنها تكاد تتلاشى، في أوقات الأزمات التي تعصف بالمجتمعات البشرية، كالحروب والثورات والكوارث الطبيعية، فهذه هي أفضل الأوقات للتغيير ولإصلاح المنظومات الموروثة.
لقد شهد العالم الغربي أكبر التحولات الاجتماعية والتربوية والأخلاقية في الحربين العالميتين الأخيرتين (وكان كثير منها نحو الأسوأ) حيث تشرد عشرات الملايين بعيداً عن بيئاتهم الأصلية وتفككت المنظومات القديمة تلقائياً بسبب الضغط الهائل الذي نشأ عن الحرب المدمرة الطويلة. مثل هذه الحالة توجد في سوريا حالياً، وهي توفر فرصة عظيمة لإعادة تشكيل القيم والأفكار والعادات على أساس صحيح جديد، وهذه مسؤولية كبيرة ينبغي أن يقوم بها بشكل أساسي العلماء والدعاة وأن تتصدر لها المجامع والهيئات والروابط العلمية والدعوية.
5. «منبر الداعيات»: وهذا يقودنا إلى المهمة الأشمل: مَن المسؤول عن ترشيد مسار الثورة بما يحقق أهدافها وينتقل بها لمرحلة الدولة؟
• الجميع. قد يبدو هذا الجواب غريباً، ولكنه صحيح لأن الثورة «مشروع عام مشترَك لكل السوريين»، مشروع هائل ساهم فيه الملايين، ومن حقهم جميعاً، بل من واجبهم، أن يكونوا حرّاساً له ومدافعين عنه ومحافظين عليه.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة