عريس تحت الطلب
ريح رمضان تهب على الأبواب فيخفق القلب إليها حنيناً وشوقاً..
كانت الصديقتان الوفيتان (شهد ورولا) تشعران بهذه الريح فيخفق قلباهما شوقاً وحنيناً إلى هذه اللحظات الربّانية والنفحات المباركة. صديقتان وأختان في الله، كانتا معاً في السرّاء والضرّاء، تعرف كل واحدة منهما الأخرى من أصغر صفاتها إلى أكبرها، وها قد وصلتا معاً إلى آخر فصلٍ دراسي، وبات التخرج على الأبواب.
وبقدر ما هي جميلة مشاعر التخرج بقدر ما هي مثيرة للشجن!
ماذا بعد التخرج؟
أهو الزواج وإنشاء أسرة، أم عملٌ وبدايةُ مهنة؟
يا ليتهما يكونان معاً. لكن الثاني نوعاً ما بالاختيار، أما الأول فرزق يسوقه الله لمن يشاء ساعة يشاء، لا يوجد قانون مكتوب أو محاولات معينة تقرّبه أو تبعده وبينما وقعت الصديقات واحدةً تلو الأخرى في قفص الزواج الذهبي السعيد، الجميل برغم مسؤولياته، بقيت هاتان الصديقتان متعانقتَي القلوب والأرواح، يحدوهما الشوق إلى هذا القفص ويشدّهما الخوف من أن تدخله إحداهما وتترك الأخرى خارجه...
وفي ساعة صفاء جلستاها بين شجر الجامعة وقت الأصيل، وهما تستمتعان بنسمات الهواء الرحيمة، تشابكت أيديهما وتعاهدتا على قيام ليل العشر الأواخر من رمضان، والدعاء في كل سجدة فرضٍ أو سنّةٍ أو قيامٍ بالدعاء التالي:
«ربِّ هب لي من لدنك زوجاً صالحاً، واجعل لي من ذريتي قرة أعين، واجعلني للمتقين إماماً»...
وبما أن الغاية وضحت فقد هان المسير. مرت الليالي العشرون الأولى من رمضان، وحان وقت الامتحان، فجددتا العهد والنية، وشدّدتا على نفسيهما القيود وأغرتهما الثقة بما عند الله ووعده. وبالفعل، بدأت الليالي العشر تنقضي ليلةً فليلة، وكل واحدة فيهما تذكّر الأخرى عبر الهاتف ببرنامجهما العبادي، من ذكر وقيام ودعاء وتلاوة للقرآن، وترديدٍ طويل للدعاء بدون كلل أو ملل: "ربِّ هب لي من لدنك زوجاً صالحاً، واجعل لي من ذريتي قرة أعين، واجعلني للمتقين إماماً" مستحضرتين الحديث النبوي: "ولا يمل الله حتى تملوا" رواه الطبراني. فلم يكن يطلع الصباح حتى وضعت كل واحدة من الحسنات في ميزانها الشيء الكثير كما تتمنى على الله.
جاء العيد بمباهجه وأفراحه، وتزينت كل فتاة منهما بأحلى ما تكون من زينة الصبا والشباب. وبعد أسبوعين ونيّفٍ من انتهاء رمضان، اتصلت رولا بشهد: "تقدّم لي عريس اسمه سعيد»؛ فرحت شهد لرولا أشدّ الفرح، وتمنت لها كل الخير إذا يسّر الله لهما ارتباطهما.
بعدها بيومين: اتصلت شهد غير مصدقة برولا لتخبرها: "جاءني عريس اسمه سعيد أيضاً!!"
كان هذا أكثر مما تتوقعان فعلاً!
لكن الأمور لم تسر على ما يرام سواء مع الشاب الذي تقدّم لخطبة رولا أو الآخر الذي تقدّم لخطبة شهد، إلا أنهما استبشرتا خيراً بهذه البداية، وجددتا الدعاء والأمل بما عند الله.
لم يمرَّ وقتٌ طويل، عشرة أيامٍ أو أقل، حتى اتصلت شهد برولا هذه المرة: “تقدّم لي شاب يُدعى أيمن، مهندس ويعمل في الشركة الفلانية”. ففرحت لها رولا من قلبها، وقد شعرت في أعماقها ببداية البشرى لها أيضاً. لم تكذب الأيام خبرها، ففي نفس الأسبوع اتصلت رولا لتزف البشرى: “تقدّم لي أيمن أيضاً، مُحامٍ يعمل في مكتب شرعي. وأشعر أني مرتاحة له جداً، أشعر أن الله سوف ييسرها لنا هذه المرة»!!.
سعيد وسعيد.. ثم أيمن وأيمن.. أسماء متطابقة في أيام متقاربة.. لا يمكن أن تكون هذه صدفة.. هذا عطاء الله الذي إذا أعطى أدهش.. هذا قبوله للأخوّة الصادقة..
زُفت رولا أولاً لعريسها المهندس الشاب ذي العائلة المرموقة والأخلاق الرفيعة، ثم حضرتْ عرسَ شهد بعد جمعة واحدة فقط!
في العرسين، نفّذت العروسان آخر بندٍ من اتفاقهما: أن تسجد كلُّ واحدةٍ منهما شكراً لله، سجدةً طويلة، وهي في ثياب العرس بكامل زينتها..
كان هذا سرّهما الصغير الذي لم يعرف به أحد من الحاضرين، الذين وقفوا يتساءلون عن سرّ غياب كل منهما في غرفة التصوير دون أن يرافق أحد أيّاً منهما!
ردّدتا في السجود: "ربِّ هب لي من لدنك زوجاً صالحاً، واجعل لي من ذريتي قرّة أعين، واجعلني للمتقين إماماً"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قصة واقعية سمعتها من فم أصحابها، مع بعض التعديل في الشخصيات للحفاظ على الخصوصية.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة