لا تعكر مياهك الراكدة!!..
بقلم: خديجة بيضون*
لبنان
جلست خلف الأبواب أتأمل المشكلة كالأغراب!! فنحن في السابق عالجنا مشكلات كثيرة لأزواج في مقتبل العمر، حيث كنا نجد لاستفساراتهم جواب...
أما اليوم فالقضية لزوجين مَرّ على رحلتهم الزوجية عقود تخللَتْها مراحل كثيرة من الهناء والعذاب... لكنهما تابعا مشوارهما بالترفّع عن الصغائر والارتقاء، محسنين التوكل على الرحمن الذي إليه حسن المآب!! المذهل.. أن بعد زواج الأولاد... بدأت مطرقة الوسواس الخنّاس!
لاحظتِ الزوجة تغيّراً مُلفتاً من الزوج... تذمّر من تواجدها الدائم في البيت ودفعها دفعاً لزيارة الأولاد، والأقارب، طالباً منها أن تترك أعباء ومهام المنزل للخادمة - بعد أن كان يطير صوابه إن حضر ولم يجدْها كالنحلة تؤمِّن حاجاته - وهو الذي كان يردّد دوماً على مسامعها: "أريد حاجاتي من يديك أنتِ يا ملاكي".
لكنها أخذت تَغَيُّره واحتِجاجَهُ على محْمَل حسن، وظنت أنه يريد لها الراحة بعد طول عناء!! وسوَّلَتْ له نفسه أن تطول فترات البعاد فطلب من ابنته "فيزا" لوالدتها، حيث فاجأها بتذكرة سفر لتمضية مدة عندها لتطفئ الشوق المتأجج في قلبها بعد أن كان كما يقولون بالعامية: "رِجْله على رِجْلها"!! لكن مما أشعل نار الشك في قلبها.. حضورُه الدائم في غيابها بعد أن كان يعتذر عن حضوره - ولو للغداء - بألف عذر.. ورفضت السفر رغم إتمام جميع الإجراءات، وفي يوم أحست خادمتها بدوار وارتمت أرضاً.. فاصطحَبَتْها للطبيب الذي طلب من ممرضته إجراء فحص الحمل، وأكد للزوجة: بأن الخادمة حامل.
فاتصلت على الفور بزوجها لتخبره بشناعة فعْلَتِها مُعاتِبة: إنَّ كل ذلك من جراء تساهلكَ والسماح لها بمخالطة أبناء جنسيَّتها... فحضر فوراً مُتجهِّماً متوعّداً مصرِّحاً: بأن الخادمة زوجته على سنة الله ورسوله!! تباً لك أيهّا الزوج ما أصعب أن تستغل حقاً أعطاك إياه الشرع بأسلوب خالٍ من الحكمة والتعقُّل وتَهْدِم بيتاً هانئاً، وتغْدرَ بزوجة عاشت العمر معك مُحِبة مُسالمة.. لترضي نزوةً أَمَرَتْكَ بها النفس الأمّارة غير آبه بالنتائج المدمّرة.
وعاد الجميع إلى المنزل، وظن أن زوجته ستحزم أمتعتها وترحل... لكن لا... حدث ما لم يكن يتوقع...!! مزَّقت هدوءها المعهود... وجنَّ جنونها... وفقدت اتزانها، وانهار صمودها، ولَعْلَعَ صوتُها، وحطَّمت الأثاث، وكسرت التلفاز دون أن تحسب لأي أمر حساباً... وجعلت من المَسْكَنِ الذي ضمّها لسنوات ساحة معركة... وبإصرار وتعنيف منها طلبت منه مرافقتها إلى المحكمة ليطلّقها... فأتى مُلبّياً رافعاً رأسه قائلاً: أنا لم أفعل ما يُغضِب الله.. ولقد تزوجت الثانية وفْقَ ما سمح لي الشرع. أما عن أمّ أولادي فأنا لا أريد أن أطلّقها... ولا أنكر فضائلها...
* * *
فضيلة القاضي همام الشعار حفظك الله ورعاك، نرجو إفادتنا بفيض أنوار المعرفة التي أكرمك المولى بها:
1. هذا الزواج الثاني يكتسب صفة شرعية، لكن الزوجة لا تمتلك طاقة التحمّل. والزوج يرفض أن يطلّقها، هل يحق للقاضي التفريق بينهما؟
• تظهر لدى المحاكم من فترة إلى أخرى دعاوى تفريق سببها علاقة بين الزوج والخادمة.
وفي بعض الأحيان تكون العلاقة نتيجة عقد زواج سرّي، وفي غالب الأحيان تكون علاقة زنا.
- أما بالنسبة إلى العلاقة المبنية على عقد زواج سرّي، فهي جائزة ما خلا مذهب السادة المالكية الذين يشترطون الإشهار في عقد الزواج.
وأعتبر أن الزوج قد أساء إلى زوجته حينما تزوج سرّاً بالخادمة وأبقاها في المنزل الزوجي، مما أفقد المنزل وصفه الشرعي.
ولها أن تتذرع بفعله لطلب التفريق للضرر الذي لحقها من إسكان ضرّة معها في بيتها وأفقدها الثقة بزوجها.
2. الأذى بالضرب: سبب وجيه للطلاق؛ كونه يدعّم بتقارير طبية...
الأذى النفسي: ليس له دليل مادي، ويقف المتضرِّر حائراً!! هل ترشدنا لحلول شرعية لرفعه عمَّن يحترقُ بناره... نفعنا الله بنصحك؟
• أما مُطْلَق الأضرار بالزوجة من خلال الزواج من ثانية، فغير معتبر. إذ لا يُتصوّر في الغالب أن لا تتأذى الزوجة نفسياً من زواج زوجها عليها، والسيدة عائشة كانت تغار والسيدة فاطمة رفضت زواج علي رضي الله عنه من ابنة أبي جهل.
3. بعض الناس من الذين ران على قلوبهم... يُطْلِقون على الخادمات صفة (ما ملكت أيمانكم)، نرجو من حضرتكم إيضاح وتبيان معنى الآية الكريمة؟! وما حكم وجود الأبناء الشباب مع الخادمات في غياب الأبوين؟
• أما فيما يتعلق بالخادمات، فإن وصف مُلْكِ اليمين لا ينطبق عليهن، فلسْنَ بجوارٍ مَمْلوكات ولكن حرائر. كأية موظفة أخرى كالسكرتيرة أو الطاهية أو المربية أو الموظفات. وعليه يجب على المسلم أن يراعي الأحكام الشرعية كعدم الاختلاء بها ومراعاة السَّتْر والحجاب الشرعي وعدم الانبساط في الكلام والمسايرة فيما يزيد عن الكلام المعروف. فإذا كان النبي صلوات الله عليه قد وصف الحمو شقيق الزوج بالموت، وإذا كان القرآن قد منع الخضوع بالقول حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض، فالأمر أولى في العلاقة بين الذكور البالغين في المنزل وبين الخادمة.
4. النساء مصابيح البيوت، ولقد عَمِي الزوج عن أنوار زوجته التي أضاءت حياته بحسن تربيتها، وصونها للعِشْرة، وقابل الإحسان بالإساءة، ما توجيهك لأمثاله مِمَن يتَّبعون رغباتهم؟
• أختم بنصيحة إلى الزوجات الغافلات. كما أن الزوجة تحتاج إلى العاطفة والمحبة، فإن الزوج في الغالب تغلب عليه الحاجة الجسدية ويسهل إغراؤه فلْيكن إغراؤه على يد زوجته بدلاً من الخادمة أو الجارة، فإن الذي لدى الزوجة كالذي لدى الأخريات، وتلك مجاهدة الزوجة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أمينة سرّ "جمعية إصلاح ذات البين".
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة