"لست عدوانياً... ما زلت طفلاً.. فأرشدني.."
كان ذلك صوت الصَّفعة التي وجهها ابن السنوات الثلاث إلى والده الذي يجلس مع أصدقائه في صالة المنزل. ثم يفِرُّ هارباً تلاحقه شرارات متطايرة من الغضب تصدرها عينا أبيه المتسترة بالهدوء المصطنع، وما زال الطفل يتابع مسرحيته فيحمل دفتراً ويرميه أرضاً، ويعمد إلى زينة الطاولة فيبعثرها؛ غير مكترث بأي توبيخ يصدر من الأب المُحْـرَج من تصرفات ابنه، المضطر إلى كظم غيظه احتراماً لضيوفه! ولكن ما الذي سيحدث بعد مغادرة الزوّار يا ترى؟؟
إن أسلوب التعامل الذي سيتبعه الأب مع ابنه لتربيته إما أن يكون بنَّاءً يعالج هذا السلوك السلبي، أو يكون هادماً يزيد من عدم ضبطه لانفعالاته وسلوكه...
إذاً لا بُدَّ من التعرُّف بداية عن الدافع أو السبب الذي جعل الابن يتصرَّف بعدوانية، ويظهر انفعالاته الداخلية بهذه الصورة السلبية، قبل الحديث عن أساليب العلاج وطُرُقه.
ومن الأسباب التي تحمل الطفل إلى التصرف بعدوانية ما يلي:
• التأثيرات الوراثية: فقد أثبتت الدراسات أن بعض الأطفال لديهم استعداد وراثي للسلوك العدواني، وتظهر عند وجود عوامل بيئية مؤثرة.
• التأثيرات البيولوجية: ففي الجهاز العصبي نجد ناقلات عصبية تنقل الإشارات من خلية إلى أخرى، فإذا اختلَّ التوازن فّإن ذلك يؤثر على الانفعالات وردود الفعل.
• التأثيرات النفسية: قد يصعب على الطفل التحكم بانفعالاته نتيجة لبعض الاضطرابات النفسية (من البيت أو المدرسة)، مما يؤدي إلى ظهور سلوك عدواني نحو الآخرين أو نحو نفسه؛ ليخفف من وطأة الحالة التي يعاني منها: كالخوف المفرط، الشعور بالنقص، عدم الثقة وغيرها.
• التأثيرات البيئية: وهي من أهم الأسباب المؤثرة في السلوك العدواني لدى الطفل، حيث أنه يتأثر ويقلد ما يراه ويشاهده، والطفل الفاقد للعلاقة السويّة مع أهله، أو الذي يعيش في جوٍّ من المشاحنات بين الوالدين؛ من أكثر الأطفال عُرضة للتنفيس عن شحناته الانفعالية بطريقة عدوانية.
• عوامل أخرى مسببة للسلوك العدواني لدى الطفل: مشاهدة الأفلام الكرتونية التي تحثُّ على السلوك العدواني، والألعاب الإلكترونية بمختلف أنواعها؛ وخاصة تلك التي تجعل الطفل يتفاعل معها، والتي لا يقتصر أثرها على سلوك الطفل بل كذلك على تركيزه ونوعية نومه.
فما هي الوسائل والطرق التي يمكن للآباء والمربّين اتباعها لعلاج هذا السلوك العدواني؟؟
تقع المسؤولية على البيت والمدرسة (أو الحضانة)، وكلما كان العلاج بوقت مبكّر زادت فرصة الطفل لاكتساب عادات بديلة بسرعة أكبر.
• دور الأهل في البيت: إفشاء جوٍّ من الهدوء والاستقرار قدر الاستطاعة، والابتعاد عن أعين وآذان الأبناء في حال وجود خلاف بين الوالدَين.
• تدريب الطفل على التعامل مع شعوره، سواء كان فرَحاً أو حُزناً أو ضِيْقاً أو رغبةً بأمر ما، وذلك من خلال توجيهه للتصرف السليم، فالطفل لا يدرك حقيقة ما يشعر به، فعلى الوالَدين التنبُّه لهذا
الأمر وإرشاده إلى الطريقة المناسبة للموقف بما يتلاءم مع عمره، وذلك بعد أن تهدأ نفسه، وليس في خضم انفعالاته.
• وعلى الآباء التنبُّه إلى أنهم يتعاملون مع أطفال لم يبلغوا الحلم بعد، فحَذارِ من اعتبارهم راشدِين مُدْركِين، وعلينا أن نتقبلهم كما هم، ومن ثَمَّ نتابع في توجيههم لتغيير سلوكهم.
• كما أن للمدرسة (أو الحضانة) دور بالغ الأهمية في تعديل سلوك الطفل، وهي المُعِين للأسرة في تربية الأبناء، فعلى المربّين أن يدركوا أمام مثل هذه الحالات أن سلوكهم له أثر في الأطفال، فليبتعدوا عن المواقف التي تثير العدوانية لدى الأطفال؛ كالتمييز السلبي، أو النقد الجارح، أو التوبيخ أمام الأقران وغيرها، وليحرصُوا على التركيز على السلوك الطيب، والانفعالات الإيجابية وتعزيزها لدى الأطفال الذين يعانون من السلوك العدواني، ومن المفيد جداً الاستعانة بالمرشد الاجتماعي ليتمَّ التواصل الفعّال مابين المدرسة والبيت.
إن السلوك العدواني صفة مكتسبة في الغالب لدى الأطفال، وهي تعبير عن مكنونات نفسه بطريقة سلبية، ودورنا أن نحوّلها إلى سلوك إيجابي. الطفل بحر تثور أمواجه حيناً وتهدأ حيناً، ويختزن في قعره كنوزاً كثيرة ومتنوعة، لا يتمكن من استخراجها إلا غطَّاس ماهِر...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن