طيور الجنَّة ..
السّماءُ تُمطِرُ لهباً ..!
قالها مُبتسماً يتحدّى كلّ العُنف في بسمة !
ويسخرُ من عتادهم ، وعدّتهم ، في بسمة !
ويسيرُ مرفوع الرّأس في الطرقات المحمومة ظلماً وبطشاً ، فلا يهتزُّ له جفنٌ جزعاً ، ولا ينبضُ القلب خوفاً أو فزعاً ..
هو فارسٌ بلا جواد ، فقد امتطى جواد الشجاعة في زمن الجُبناء ..
طفلٌ في المرحلة الابتدائية مازال ..
لكنّهُ في الحقيقة رجلٌ في ثيابِ طفل ، أو بالأحرى .. بطلٌ في هيكل طفل !
مُذ فتح عينيه على الحياة ودبّت على الأرض قدماه حتى طار قلبه شوقاً إلى المدرسة ..
طريقٌ مفروشٌ بالبروق والرعود الصهيونية ، تطلقها بهمجيّة على الطرقات الشعبية الهادئة ..
كلّ رصاصة منها تتمنى خرق رأس طفل فلسطينيّ ، أو إيقاف النبض في قلبه !
فالطفل الفلسطينيُّ عنوانُ أملٍ قادم ، زلزال قادم ، ورعب يتنامى ليفتكَ بظالم عرف عاقبته لكنه استكبر عن اعترافٍ بالحقيقة ، فما خضع لمحكمة العدل ، ولا كفّ عن إلحاق الكيدِ والبؤس بالشعب المناضل ..
في المدرسة يزدحم الطلاب في المقاعد ، فلا أماكن تكفي ، ولا أموال تفي لبناء جديد قد تهدمه الصواريخ المتنعنّتة في ثوان ..
المعلمة تعلمهم نشيد الوطن ، وترفعُ صوتها قليلاً لعله يُنسيهم أصوات الموتِ في الخارج ..
هكذا .. ودون إنذار ينطلق صاروخ غاشم ، بلا رقيب ، ولا حسيب ، يُوجّه إلى المكان المطلوب ..
ملجأ ، مدرسة ، مستشفى أو مستوصف .. لا يُهمّ !
المهم قتل أعدادٍ أكبر ، في وقت أقلّ .. والمهمّ أيضاً فرض السيطرة بالقوة ، واغتصاب الحقوق من أصحابها بلا ثمن !
ويمضي الصغار في فزع .. فارس آخرهم ، لا يتحرك حتى يطمئن على نجاة الجميع ..
- الحمد لله .. هذه المرة لم يصب أحدٌ بسوء ...... إلا جدران صفي الحبيب فقد تشققت ، وتحطم البلور الذي كنا نرى من خلاله بعض حياة في الخارج .
فارسٌ في الحيّ يبتسم ، يسخر منهم بأسلوبه الطفولي ، ويمسك حجارة يقذفها في اتجاههم ، ويضحك كثيراً عليهم وهم يهربون كالجرذان ..
فارسٌ على مقاعد الدراسة يبتسم ، لوجه فلسطين يراه في معلمته ، تنشد لحن الشهادة .. تلوحُ له الجنّة .. ما أجملها !! ويبتسم ..!
فارسٌ يمضي إلى البيت جائعاً ، يبحثُ عن لقمة تسدّ رمقه ..
وتصرخُ أصواتٌ في معدته ألماً وجوعاً ، فيضمها بكلتا يديه بحنان ، ويبتسم ..
غداً سنأكل طعاماً شهياً ، وسأطعمكِ الشوكولاتة اللذيذة ، وكل ما تشتهين ..
وذات فجر ، والسماء تمطر لهباً ، يسرع فارس على غير عادته في الخروج من البيت ..
قُبلةٌ على جبين الأم ، وأخرى على يد الوالد ..
خطواتٌ إلى الخارج ، قذيفة تتبعها ، وتجمهرٌ شعبيٌّ حافل ..
زغاريدٌ وتهاني .. لأهل الشهيد ..
وبداية يوم في تشييع طفل بطل ، يشعّ وجهه نوراً ، وتبرقُ في محياه ابتسامة .. ليحلّق فرحاً بجناحيه مع طيور الجنّة .. !
وفي ذات التوقيت ..
تعجّ الطرقات العربيّة صخباً ..يتذمّر فادي من ذهابه اليومي إلى المدرسة ..
دروسٌ مملة ! وتاريخٌ ممل ! ومعلمة كئيبة ..
بضجر يقول ..
مصروف جيبي لا يكفيني .. أريدُ المزيد !
حذائي اشتريته منذ شهر ، لم يعد ينفع ، سأرميه في أقرب حاوية ..
وسأجهز نفسي مساءً لأذهب إلى المدينة الترفيهيّة ، وسأعود وقد حضّرتِ لي كعكة شهيّة ، وأصنافاً أخرى تختلفُ عن عشاء الأمس ..
وسأدخل كل مواقع الألعاب في شبكة الإنترنت ، وسأبقى عابساً .. لا تسأليني لمَ ؟ وما السبب ؟ فأنا كئيبٌ كئيب ..
أنا محروم من كل حقوقي الإنسانيّة !
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن