مَنْ علَّمَكِ يا صغيرتي .. الغرام ؟!
دعيتُ لأشارك ضمن لجنة خاصة باختيار أجمل قصّة للأطفال في مدينتي، ووقعت تحت يدي أوراقٌ غريبة، كتبتها أقلامٌ طفوليّة، لكنها بلا براءة، اختفت عنوة بين طيات الأوراق الجميلة التي تحكي عن الخير والفرح والسلام ..
كانت أوراقاً غراميّة، رسائلُ حب حقيقية منها إليه ، ومنه إليها ..
كتبت بلا عنوان..!
ممن وإلى من وكيف صيغت ولماذا أتت ؟ لست أدري ..
كان الاسم جميلاً والعمرُ في قلب الطفولة، والكلماتُ مثلُ برعم مزّقوا أوراقه رغماً عنه ليغدو مثل زهرة مكتملة، لكنه خذلهم فبدا مشوهاً ..
ارتعدت يدي وتساءلتُ عن تلك الطفلة، وأطفال غيرها، وكم خطر لي أن أناديها وغيرها فأسألها..
من علّمكِ يا صغيرتي الغرام ؟
هل هي وسائلُ الإعلام التي قد أدمنتها، أم المسلسل اليومي الذي بدت فيه البطلة ساحرة الجمال عاشقة لأقصى الحدود .. وبلا قيود ؟!
من لقّنكِ كلماتُ الحبّ؟ هذه التي انطلق بها لسانكِ أول ما طُلب منكِ أن تكتبي ..
هل هي تلك الأغنيات السافرة التي تصدحُ في أذنيكِ في البيت والحافلة وفي الأسواق، حتى أصبحت شغفكِ الوحيد، وكنتِ يوماً قد استأتِ منها، ومن لحنها الفج، فمالي أراكِ تدندنينها في داخلك، تستحسنينها مثل قصيدة عذبة..
منوّمةٌ أنتِ مغناطيسياً بفعل موجة التفاهة التي هبّت على عالمنا، مسكينة أنتِ بلا حول ولا قوة ..
لا لستِ مذنبة أنتِ .. فأمكِ تفعلُ ذاتَ الشيء، إلا أن أغنياتها أكبرُ من فهمكِ، ولعل فهمها قائمة حلمك ..
لما كنتِ صغيرة في الثالثة من عمركِ طلبوا منكِ أن تغنّي أغنية للجدة ..
فأول ما خطر لكِ ذلك " الفيديو كليب" الذي تتخذه أمكِ وسيلة لإسكاتكِ .. كي تقوم بباقي أعمال المنزل دون إزعاجكِ، ولتتحدث في الهاتف طويلاً، أو تقضي الوقت مع الجارة، فكنت تراقبين ذلك العالم الغريب، ويسحركِ بكل مؤثراته، ويداعبُ كل وجدانك ..
غنيتِ لهم بخجلٍ وتلعثم .. لما بدأتِ بالمقطع الأول صفقوا وأثنوا وقبلتكِ الجدة معجبة، يومها قالوا عنكِ نابغة .. لستِ تدرين !
لكن الأمر أعجبكِ، فأصبحت موسوعة فن، كلما كبرتِ عاماً كلما ازددتِ معرفة، بثقافة التحطيم هذه ..
وها أنتِ الآن في الصّف الرابع الابتدائي، هواياتكِ الغناء والرقص والتمثيل ، وماذا أيضاً ؟ قولي لي ماذا تجيدين يا صغيرتي الجميلة ؟ أتحفظين أسماء أهل الفن وعنوانينهم؟ ألديك ألبوماً يضمُّ أجمل صورهم ..! أخبريني لم كان صعباً عليكِ أن تصوغي قصّة عن الأخلاق والفضائل .. أيّة قصّة !
ألم تسمعي عنها في حكايا جدتك، ألم يحدثكِ والدكِ بها، أما رأيتها في أمكِ القدوة ..!
أنت ذكية مبدعة سريعة الحفظ فهلا حفظتِ آية، أو طهرتِ سمعكِ بآي القرآن، أو تعلمت حقيقة القدوة فسرتِ على خطى العدنان !
تعالي أطلعكِ على حبٍّ آخر لم تتذوقيه، تعالي أخبركِ معنى لم تتلمسيه، تعالى نجرب أن نكتب قصّة ، قصّة مأساة هذا الجيل، ولندعُ إلى حفل التكريم الآباء، ولنسألهم عنكِ وعن جيلكِ، من حطمه دون أن يدري، ومن سيرممُ معنا بقايا الحطام ؟!.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن