لا تقولوا راعنا
كتب بواسطة الدكتور صلاح الخالدي
التاريخ:
فى : المقالات العامة
734 مشاهدة
آية قرآنية جامعة، تقرر قاعدة أساسية في استعمال "المصطلحات" ولها مناسبة تربوية زمن الصحابة الكرام.
أما الآية، فهي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا رَاعِنا، وقولوا انظُرْنا واسمعوا، وللكافرين عذابٌ أليمٌ) [البقرة: 104]. وأما سبب نزول الآية فإنه عجيب، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يخاطبون رسول الله صلى الله عليه وسلم في غاية الأدب واللطف والذوق والاحترام.
وأحياناً كانوا يطلبون منه أن ينظرهم ويمهلهم ويراعيهم، ولا يتعجّل عليهم، فيقولون له: يا رسول الله راعِنا.
و"راعنا" فعل أمر. الماضي منه: راعى. تقول: راعى، يراعي، راع. من المراعاة، والمراعاة هي التمهل والبطء والتأني.
فإذا قالوا له: يا رسول الله راعِنا، فإنهم يقولونها مع منتهى الأدب والذوق والاحترام والتقدير لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ويكون قصدهم منها أن يطلبوا منه عليه الصلاة والسلام مراعاتهم والتأني معهم وإمهالهم وعدم التعجل عليهم.
إلى هنا الأمر طيب وجيد، ولا إشكال فيه، والمشكلة حدثت بعد ذلك، وكانت المشكلة على أيدي اليهود!!
فلما سمع اليهود الصحابة يخاطبون رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلين: راعنا، أرادوا أن يحرفوا معنى الكلمة، وأن يحولوها من طلب مراعاة وإنظار وإمهال إلى كلمة سب وشتم للنبي صلى الله عليه وسلم!
فصار اليهود يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم قائلين: راعِنا!! ومعنى "راعِنا" في الفهم اليهودي الخبيث مِن الرُّعونة، فجعلوها كلمة شتم وسبّ للنبي عليه الصلاة والسلام.
فلما كانوا يقولون: يا محمد راعنا، فإنهم يقصدون: أنت يا محمد أرعن، أي: أنت خفيف طائش.
فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع نفس الكلمة "َراعِنا" مِن فريقين وبمعنيين. فإذا قال الصحابة: يا رسول الله راعنا، قالوها بأدب وذوق ووقار، وأرادوا بها طلب المراعاة والإنظار.
وإذا قال اليهود: يا محمد راعنا، قالوها بوقاحة وشتم وسب، وأرادوا بها وصف الرسول بالرعونة والخفة والطيش.
وبذلك تم تحريف وتلويث وتدنيس الكلمة على لسان اليهود القبيح النجس، رغم أنها في أصل استعمالها طيبة نظيفة.
عند ذلك أنزل الله الآية، تنهى الصحابة عن استخدام كلمة "رَاعِنا" وتعطيهم البديل، وهي كلمة "انظرنا" وهي تؤدي نفس المعنى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا رَاعِنا، وقولوا انظُرْنا واسمعوا، وللكافرين عذابٌ أليمٌ).
نهى الصحابة عن قول كلمة "راعنا" مع أن معناها واضح محدد عندهم، لأن اليهود الأنجاس حرّفوها ولوّثوها ودنّسوها، وحوّلوها إلى كلمة ذم وشتم وسب!!
ولم يعترض أحد من الصحابة بأن معنى "رَاعِنا" طيّب عنده، وأنه ليس مع اليهود في تلويثها وتحريفها، والتزم الصحابة بالتوجيه القرآني، وحذفوا كلمة "راعنا" من خطابهم، واستعملوا البديل القرآني، وصاروا يقولون: يا رسول الله انظُرنا، أي: أمهلنا ولا تتعجّل علينا.
وذم الله اليهود في آية أخرى لتلاعبهم بهذه الكلمة العربية الأصيلة، قال تعالى: (مِن الذين هِادُوا يُحَرِّفونَ الكَِلمَ عن موَاضِعهِ، ويقولون: سمِعْنا وعَصَيْنا، واسْمَعْ غيرَ مُسْمَعٍ، ورَاعِنا، لَيّاً بألسنتِهم وطَعْناً في الدِّين، ولو أنهم قالوا: سمِعْنا وأَطَعْنا واسْمَع وانْظُرَْا، لكان خيراً لهم وأقوَمَ، ولكنْ لعنَهُم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً) [النساء: 46].
تدلّنا هذه الحادثة على مدى حقد وخبث اليهود، عليهم لعائن الله المتتابعة حتى قيام الساعة، وعلى تلاعبهم بالألفاظ، وتحريفهم للمصطلحات، وتلويث وتدنيس الكلمات، وهذا أوضح ما يكون ظهوراً في هذا الزمان.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة