حسبنا الله ونعم الوكيل
في الوصفة العلاجية القرآنية التي ذكرناها في مقالة سابقة؛ أن على المؤمن الذي يهدده الكفار أن يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل. فإن قالها من قلبه مع يقينه واطمئنانه فإن الله سيقيه شر أعدائه، ويقلب كيدهم إلى نحورهم. ولذلك قال الإمام جعفر الصادق رحمه الله: عجبتُ لمن هدّده الأعداء كيف لا يفزع إلى قوله تعالى: (حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فإن الله يقول بعدها: (فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ).
وهذه الآيات التي ذكّرنا بها جعفر الصادق تُشير إلى قوّة إيمان وتوكّل الصحابة، فلما غادر أبو سفيان قائد الكفار في معركة أُحُد المدينة متوجهاً إلى مكة، عزّ عليه أثناء توقفه في الطريق أن لا يكون قضى على الصحابة في المدينة، لأنه اعتبر غزوة أُحُد نصراً لقريش على المسلمين، ولكن نصحه الناصحون بعدم العودة وأخبروه أنّ الصحابة أقوياء مجاهدون، رَغم ما أصابهم من جراح .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمَرَ الصحابة الذين حضروا معركة أُحُد أن يلحقوا بقريش إلى منطقة تُسمى "حمراء الأسد" رغم ما أصابهم من قرح وألم وجراح ومصائب، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعلوا على دمائهم وجراحهم وقروحهم وتسابقوا للجهاد، وتحاملوا للسير فيه .
وأراد أبو سفيان أن يقضي على معنويات المسلمين، وأن يحطم إرادتهم، وأن يحبط نفوسهم، فشن عليهم حرباً نفسية خبيثة ماكرة .
استأجر أحد قادة الأعراب، وكلفه أن يأتي المسلمين في المدينة وأن يبلغهم رسالة شفوية من أبي سفيان "ملك مكة" لهم ويقول لهم: إن أبا سفيان قد انسحب عنكم في ميدان معركة أحد، ولكنه لن يتوقف عن حربكم، ولن يسكت عنكم، ويجمع لكم جموعاً كثيرة من قبائل العرب، وسيهاجمكم بهم، وعندها سيقضي عليكم ويبيدكم ويُنهي إسلامكم .
وجاء الأعرابي إلى المسلمين في المدينة، وبلغهم رسالة أبي سفيان، ولكن ذلك لم يحطم نفسياتهم وإرادتهم، ولم يملأ قلوبهم خوفاً ورعباً وفزعاً، وإنما أقبلوا على الله، وفوضوا أمرهم إليه، وأعلنوا توكلهم عليه .
وهتفوا هتافاً إيمانياً صادراً عن قلوبهم وجوارحهم ومشاعرهم وكيانهم، ونطقوا بألسنتهم قائلين: "حسبُنا الله ونِعْمَ الوكيل".
وعلم الله تعالى صدقهم وقوّة إيمانهم وتألق إرادتهم، فأمّنهم وحماهم وكفاهم، ووقاهم شر أبي سفيان وجيش قريش، وانقلبوا بنعمة من الله وفضل.
وسجلت آيات من سورة آل عمران هذا الموقف العظيم للصحابة، ودعت المسلمين أينما كانوا إلى الاقتداء بهم، قال تعالى: (وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران: 171-174].
فلا نتوقف عن العيش بهذه الحقيقة، واستمرار النطق الحيّ بها: "حسبنا الله ونعم الوكيل".
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة