باحثة في قضايا المرأة والأسرة.
حجابي... حقي
عندما دعت جمعية «حجابي حقي» إلى اجتماع عام لمناقشة الهجمة الجديدة على الحجاب في فرنسا وسبل مواجهتها، لم تكن تتوقع هذا العدد الكبير من الناس الذين جاؤوا من مختلف المشارب والجنسيات، محجبات وغير محجبات، رجالاً ونساءً. بدأت الدكتورة رباب الاجتماع بعرض تاريخي لمشكلة الحجاب في فرنسا. وعندما بدأ النقاش، ارتأت ومن معها على المِنصّة أن تبدأ بتلك الراهبة التي رفعت إصبعها بأدب، فكان مما قالته: - أنا لا أفهم لماذا التركيز على حجاب المرأة المسلمة..؟! إنّ الحجاب لا يقتصر على المسلمات فقط، فها نحن نرتدي الحجاب ونمشي على الطرقات بكل حرية، فالحجاب حق وهذا ما نؤكد عليه في كنائسنا، وقد سبق لهذه الكنائس أن حذرت الرئيس «جاك شيراك» من إصدار أي قانون يُشعر فئة من الفرنسيين بالتمييز ضدهم... استغرب بعض الحضور موقف الراهبة المؤيد للحجاب، وقامت إحدى الحاضرات وأثنت على كلام الراهبة وقالت: - ما تقولينه صحيح، ولكن اسمحي لي أن أضيف شيئاً: المرأة المسلمة ترتدي الحجاب لأن الإسلام فرض عليها ذلك، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية واضحة وصريحة في هذا المجال... وهكذا إذا لم ترتَدِ إحدانا الحجاب تكون عاصية لربها، وهذا الأمر لا يفهمه غيرنا... ما إن انتهت الفتاة المتحمسة من كلامها حتى وقفت إحدى النساء غير المتحجبات، وقالت بعصبية شديدة: - ما هذا الكلام؟ الناس وصلوا للقمر واخترعوا القنبلة الذرية ونحن لا زلنا نجتهد في تفسير الآيات، ونقول هي فرض أو غير فرض؟ ألا يكفي الحُجُب التي تُلقى علينا حتى نتمسك بقطعة قماش تحجب عقولنا وتمنعنا من التقدم والتطور والمشاركة في تنمية المجتمع؟! كفانا تقهقراً... إلى متى؟! ابتسمت الدكتورة رباب في محاولة لاستيعاب الموقف، وقالت بنبرة واثقة: مَن قال لك يا حبيبتي إن هذه القطعة من القماش تمنع المرأة من ممارسة واجبها في تنمية المجتمع؟ ألا تجدين بين النساء الموجودات بيننا مَن تحتل مراكز مهمة في خدمة مجتمعها؟ أرادت الدكتورة رباب أن تُكمل فكرتها، ولكن إحدى الموجودات - ممن يبدو على سحنتها أنها فرنسية الأصل- قامت وطلبت من الدكتورة أن تسمح لها بالرد على الأخت السائلة، وتوجهت إليها قائلة: أختي الكريمة، لقد كنتُ أفكر مثلك إلى أن وقعت حادثة 11 ايلول 2001، عندئذ أحببت أن أطّلع على هذا الدين الذي يشجِّع الإرهاب، فتسجّلتُ في الجامعة ودرستُ الدين الإسلامي واطلعتُ عليه من مصادره الأصلية بعيداً عن تخريبات المستشرقين ومغالطاتهم... وصدِّقيني، لقد صُدمت بما قرأت... فقد تبيّن لي بأن الشعارات المرفوعة مثل شعار «الإسلام فوبيا» أو «الحرب على الإرهاب»، ما هي إلا شعارات عنصرية حاقدة يقودها بعض رجال السياسة والدين وعلى رأس هؤلاء الرئيس ساركوزي الذي استغل هذه العنصرية من أجل الوصول إلى الحكم سابقاً وهو يستغلها للغاية نفسها اليوم... وتعليقاً على موقف الفرنسية قام أحد الحضور وقال بلهجة مليئة بالغضب: - هل تعلمون ما مشكلتنا؟ إننا دوماً نبحث عن شمّاعة نعلِّق عليها أخطاءنا، ولا نعترف بأن مشكلتنا تكمن في أننا لم نتمكن حتى اليوم من الاندماج في هذا المجتمع الذي نعيش فيه! < شكراً أخي الكريم! قالتها الدكتورة رباب وأضافت: ولكن السؤال: ما المقصود بالاندماج؟ هناك فرق بين الاندماج والذوبان، هم يريدون منا أن نذوب في بَوْتقة المجتمع الفرنسي وأن ننصهر في قالب الشخصية الفرنسية مع ترك هويتنا على حدود فرنسا، وهذا لا يمكن أن يحدث، فالإسلام هويتنا ونحن نتمسك بهذه الهوية الدينية ونرفض المس بعقيدتنا والاستهزاء بنبيِّنا ... ثم إذا كانت مشكلة المهاجرين تكمن في الاندماج، فما هي مشكلة سكان البلد الأصليين الذين يدخلون في الإسلام بالملايين؟ هل لديهم مشكلة اندماج هم أيضاً؟ أم لعلهم يتّهمونهم بالغباء لأنهم اختاروا الإسلام؟! - دكتورة لو سمحت - قالت إحدى الحاضرات محاوِلة أن تحجز لنفسها دوراً في الكلام: إن ما تقولينه صحيح، ولكن مشكلة الحجاب ليست فرنسية أو أوروبية كما تصورينها، بل إن الحجاب مُنع في مدارس وجامعات بعض الدول الإسلامية، مثل تركيا، بل حتى مصر منعت النقاب في جامعاتها... ألم يحدث في لبنان أزمة مؤخراً بسبب تشبيه أحد السياسيين المرأة المحجبة بكيس القمامة؟ لماذا لا تثورون هناك وتثورون هنا... هل لأن القوانين هنا تسمح لكم بحرية التعبير؟ توقفت المرأة قليلاً ثم تابعت قائلة: دكتورة، لماذا لا نحترم خصوصيات الشعوب ونتوقف عن فرض أنفسنا على غيرنا؟ وإلى متى نستغل هذا الحجاب من أجل إيذاء الدول التي فتحت لنا أبوابها؟ هل تنكرين يا دكتورة بأن النقاب يُستغل من قِبَل البعض من أجل القيام بأعمال إرهابية؟ هل تنكرين؟! كفانا... عندما أنهت المرأة كلامها قام فجأة أحد الشبان وقال: لقد بالغَتْ الأخت في تصوير مشكلة النقاب لدرجة أنها كادت أن تنعت المنقبة بالمجرمة، وهذا غير صحيح؛ فكما قام البعض باستغلال النقاب من أجل تنفيذ أعمالهم الإجرامية، استغلّ البعض أيضاً لِباس الممرضة ولباس الجندي من أجل تنفيذ مآربهم، فلماذا لا يُمنع هذا اللباس كما يمنع النقاب؟! أنصحك يا أختي ألاّ تنظري إلى قضية الحجاب بمعزل عن المشهد السياسي العام، إذ أن كثيراً من الدول والأحزاب والشخصيات السياسية يستغلّون هذه القضية من أجل كسب «الرأي العام»، وتحقيق مكاسب خاصة على حساب المسلمين، وإلهاء الناس عن القضايا المصيرية الكبرى. < صدقْتَ أخي الكريم، قالت الدكتورة رباب وهي تنظر إلى ساعتها وتوجهت إلى الحاضرين قائلة: أنا أشكركم على مجيئكم اليوم، وأتمنى على غير المسلمين أن يدعمونا في حملتنا، إن لم يكن من منطلق إيماني فمن منطلق الحرية والمساواة التي نادت بهما القوانين الفرنسية وأقرّتها المواثيق الدولية وحقوق الإنسان. أما نحن فدورنا أكبر لأن علينا نقل الصورة المضيئة عن المرأة المسلمة، وعلى عاتقنا تقع مهمات مزدوجة بين الدفاع عن الإسلام من جهة وتجنب فخ الاستفزاز من جهة أخرى، وبين تطبيق أمر الله تعالى من جانب ومداراة قوانين الدولة بما في ذلك قانون منع الرموز الدينية من جانب آخر. عندما انتهت الدكتورة من كلامها، لاحظت وجود فتاة صغيرة السن تقترب منها وتقول لها: دكتورة أنا وجدت حلاً لمشكلة الحجاب خارج كل الطروحات التي وردت.. < ابتسمت الدكتورة رباب في وجه محدثتها وقالت لها: وكيف ذلك؟ رفعت الفتاة الصغيرة القبعة التي تضعها على رأسها الحليق... تفاجأت الدكتورة بما رأت ولم تستطع أن تكبت غُصّة مؤلمة محدِّثة نفسها: قائلة كم نحن بحاجة إلى قائد يحمينا من ظلم أعداء هذا الدين!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة