بَين يَدَي الإسراء والمعراج
الأمور الخارقة للعادة معجزات يظهرها الله على يد الأنبياء عليهم السلام تبعث على الطمأنينة وتزيد الناس ايماناً بصدق هؤلاء الرسل.
ومعجزة الإسراء والمعراج فاقت كل تصور. خاصة إن وضعت في سياقها الزمني والنفسي والجغرافي.
النبي يعلن رسالته ويدعو الناس للإيمان بالحي الواحد سبحانه، يُطرَد ويُشتم ويُنـزل به وبمن معه أشد العذاب. وتزداد المحنة، النصير الخارجي عمه أبو طالب الذي طالما حماه ورعاه ومنع القوم منه، غادر إلى غير رجعة. والنصير الأنيس الداخلي القلب الرؤوم والصدر الحنون والعقل الهادئ واليد الحانية السيدة خديجة كذلك ودَّعت الحبيب صلى الله عليه وسلم الوداع الأخير. وتمضي الأيام وتشتد المحنة ويزداد النبي بحثًا وعملاً وجهداً وصبراً وثباتاً وحلماً.
خرج إلى الطائف علَّه يجد قوماً أرحم إلا أن القوم أغروا به صبيانهم ونالوا منه طرداً وضرباً.
غُلِّقت أبواب الأرض بوجه النبي الحق ولكن أبواب السماء شُرِّعت وملائكةُ الاستقبال انتظرت الضيف الكريم وزُيّنت مدارج السموات للوافد العظيم.
ضِيْق الصدر من أهل الأرض لا يزيله إلا رحابة التجوال في خلق الله العلوي.
ويرى النبي في ملكوت الله -وما أعظمه- ويلقى الأنبياء وأهل العزم منهم، ويطمئن عائداً ليحط رحاله بين قوم فاجرين. يتحداهم ويثبت لهم صدق دعواه في هذه الرحلة، يصف المسجد الأقصى المبارك حَجَراً حَجَراً ويخبرهم بقدوم القافلة واصفاً أولها وآخرها معلناً خبر وصولها.
ينبهر القوم ويهزأون ويركض أحدهم لأبي بكر يثبت له "جنون" صاحبه صلى الله عليه وسلم إلا أن الصاحب صَادَقَ وصَدَّق وأقسم بأنّه: إن قال فقد صدق.
ويجتمع الناس في اليوم الموعود على مشارف المدينة ينتظرون وصول القافلة مع بزوغ الشمس كما أخبر محمد صلى الله عليه وسلم ، يصرخ أحدهم من على رأس النخلة الباسقة: "هذه الشمس قد أشرقت"، وكأنه يقول، ومحمد كَذَب، ولكن صراخ الآخر على النخلة المجاورة: "وهذه القافلة قد أطلت"، يلطم وجوه الناس ويعلن المعجزة المحمدية في صورة لا يسع الناس إنكارها. كثيرة هي تفاصيل الحدث، وأعظم ما فيه دروس وعبر منه تُقتَبس:
- ألسنا اليوم في محنة كمحنة النبي صلى الله عليه وسلم قبل إسرائه؟ ألم يكن بعد العسر يسراً؟ إن الفرج قادم بإذن الله.
- أليست مباركة النبي صلى الله عليه وسلم للأقصى الذي بارك الله حوله رسالة اطمئنانٍ ودفع وعنفوانٍ إلى كل متخاذل: أطلِقوا سراحي، أخرِجوا عفن اليهود، فكوا أسري بإسرائكم إليَّ واعرجوا مني إلى قمة المجد كما عَرجَ نبيُّكم إلى عَنان السماء.
- أليست سورة الإسراء في قلب القرآن ومنتصفه؟ ألا يستحي من يؤخر قضية فلسطين أو يتجاهلها ولا يجعلها على رأس سلَّم أولوياته وقلب قضاياه؟ ألا يخاف صاعقة تعيد صوابه وتزلزل أركانه، ألم يَكْفِ متاجرةً بالمسرى ولعباً بالقضايا الكبرى؟
- أليست "حطين" حقيقة، ألا يوجد فيكم صلاح الدين؟ أين المدارس ودور العلم ومراكز التأهيل؟ أَعَقِمَت أن تصنعَ بطلاً أو أن تُوجِدَ قائداً!؟ ماذا دهى المعاهد الشرعية والكليات الدينية من يُلْزِمها بقَبول المُتَرديِّة والنطيحة وما أكل السَّبُع؟ وماذا يمنعها من استقطاب وتأهيل القادة؟
- أين النساء؟ أليس فيهن خديجة الكبرى أو فاطمة الزهرا؟ متى يُطَـلِّـقْـن العبث والمطبخ والموضة وتغيير خلق الله والتدجين؟
نِعْمَ الإسراء إسراؤك يا سيدي، ونحن على الوعد باقون إن شاء الله.
علماء نبني، نبذر فَهماً وجهداً، ونحصد قوة وفلاحاً. ننـزع الوهن، ونحرق الذل ونقتل الجبن، وكلنا صلاح الدين يكون.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة