الحج بين الأمس واليوم
إن كان الحج في عصرنا قد تطور كثيراً وأصبح أيسر من قبل بفضل الوسائل الحديثة، فإنه كان في الماضي رحلة شاقة ملؤها المخاطر لدرجة أنّ الذاهب إليه مفقود والعائد منه مولود .
وسائل النقل
كانت وسائل المواصلات المؤدية إلى طرق الحج محصورة بالإبل والخيول والبغال والحمير، وتمثّل الدواب دخلاً ثابتاً في مواسم الحج؛ فقد كان عدد الحجاج يبلغ أحياناً مائة ألف، ويحتاجون إلى 30 ألف بعير لحملهم على نوبات مختلفة، وفي كل موسم من مواسم الحج كانت تصدر تعرفة الحجاج، وتتضمن أجور انتقال الراكب الواحد على الجمل .
السفر الطويل
كانت رحلة الحج في ذلك الوقت تستغرق شهوراً عديدة للوصول إلى بيت الله الحرام لاسيما الحجاج القادمين من الشام أو العراق أو مصر، كما كان أهل الحجاج يودعونهم وهم غير واثقين من عودتهم .
المشاق
كان المسلمون قبل ظهور السيارات يتجشمون جميع أنواع المصاعب في السفر من أقاصي الدنيا إلى بيت الله الحرام في كل عام، ولقد أفاضت كتب الرحالة والمؤرخين في الحديث عن المتاعب التي تواجهها قوافل الحجاج إلى بيت الله الحرام. فالقوافل التي كانت تَفِد من أرض العراق والشام من أكثر القوافل التي تتعرض لقُطّاع الطرق؛ خاصة أن هناك مساحات شاسعة كان من الصعب السيطرة عليها رغم تعاون بعض القبائل على حماية تلك القوافل؛ لذا كان الحجاج يتناوبون على حراسة متاعهم .
وكان الحجاج أيضاً يواجهون مخاطر الجوع والعطش في سفرهم ويتعرضون أيضاً لبعض الكوارث الطبيعية؛ من ذلك العواصف والبرد القارس والأمطار الغزيرة والسيول الجارفة.. ويذكر الإمام ابن الجوزي صاحب كتاب (مرآة الزمان) في حوادث سنة 692هـ تعرض قافلة الحجاج الشامية إلى رياح عظيمة وبرد ومطر، وهلك الناس، وحملت الريح أمتعتهم وثيابهم، واشتغل كل امرىء بنفسه، وحصلت لهم مشقة عظيمة .
وكثيراً ما كانت السيول تُداهم قوافل الحج، ففي سنة 1196هـ اجتاح قافلةَ الحج المصرية أثناء سيرها في الطريق بين مكة والمدينة سيلٌ أتى على نصف الحجاج المصريين، وكان الحجاج اليمنيون أيضاً يُفضلون الحج عن طريق البحر، على الرغم من مخاطره، حتى لا يتعرضوا لمهاجمة العربان وقطاع الطرق البرية .
وتجدر الإشارة إلى أنّ قوافل الحجاج كانت تتضمّن عدداً من الأفراد والأسر والمجموعات، وقد يكون فيها طالب علم، ومعه بعض المؤلفات والكتب، وقد يمر على بلدة من البلدات في الطريق أو على بعض أهل البادية فيستشيرونه ويسألون عن أمور الشريعة أو العبادات أو إمضاء بيوع أو شهادات أو كتابة وتوثيق عقود الأنكحة.
عهد السيارات
كانت السيارات في الستينيات الهجرية من القرن الماضي تقطع المسافة بين الرياض وصولاً إلى بلاد الحجاز لمدة ثلاثة أيام وربما أكثر حسب وعورة الطريق أو سهولته؛ حيث تتعرض بعض السيارات للأعطال وانقطاع الوقود. وتقسم السيارة عادة إلى قسمين بألواح تجعل منها دورين أحدهما للرجال والآخر للنساء ويسمى التقسيم (طبق) أي صارت السيارة طبقتين، يجلس الرجال في الطبقة العلوية المكشوفة والنساء في الطبقة السفلية المستورة، وبعدها بدأ عهد السفر بالطائرة.
ما أبعد الفرق بين الأمس واليوم فإن ما شهدته مكة المكرمة والمدينة المنورة من إنجازات وتوسعات تبيّن لنا النعمة التي أنعم الله بها علينا في زماننا، مع عدم إغفال تقصير الحكّام في خدمة الحجيج (فلا يَنسَ أحد الإهمال الذي أدّى إلى مقتل الحجيج بالسيل منذ عامين)، حتى غدا الحج اليوم رحلة ترفيهية قد لا تتجاوز مدتها أصابع اليد وهذا كله نعمة من الله على حجاج بيته.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن