أيها المؤمنون.. تصبحون على خير!
سألتُ شاباً من معارفي، أين صليتَ الجمعة اليوم؟ ابتسم وقال: في الجامع الفلاني.. فقلت له هل تقصد في جامع "أيها المؤمنون تصبحون على خير"؟
لقد اشتهر ذلك المسجد وخطيبه بأنه صاحبُ أسرع وأقصر خطبة على الأطلاق ولا أشك أنه لو أقيمت مسابقة لأسرع خطبة جمعة في العالم لفاز بها ودخل في موسوعة "غينيتس". ولا أُنكر أن لهذا المسجد زواره الكُثُر لهذا السبب بالذات.. أما المواضيع المطروحة في أمثال هذه الخطب.. فحدّث ولا حرج.. فسِلمٌ في زمن الحرب.. وحربٌ في زمن السلم.. فالمؤمنون بين نارين إما خطبة صاروخية تنتهي قبل أن تبدأ، وإما خطبة طويلة لا علاقة لها بواقع الأمّة ومصابها مما يجعل السامع يستغرق في نوم عميق!!
من الطرائف التي تُذكَر في هذا السياق أن رجلاً نام أثناء خُطبة خطيب تقليدي مملّ وصدر له غطيطٌ (شخيرٌ).. فاشتاط الخطيب غيظاً وشعر أن كرامته قد أُهينت فصرخ في الناس: أيقظوا هذا النائم! فما كان من أحد العقلاء إلا أن قال: يا شيخنا نرجو أن توقظه أنت كما أنمته أنت!
وخطيب آخر أشعل حرباً كونية بسبب مسألة بحاجة لمعالجة هادئة.. وأخذ يصرخ بأعلى صوته متحدثاً عن خطيئة فتاة: أتدرون أين ذهبَت.. أتدرون أين كانتْ؟.. لقد كانت في رفقة الحبيب.. وفي نفس اللحظة استيقظ أحد النائمين ليقول بأعلى صوته: اللهم صلّ على الحبيب!!
وفي حادثة أخرى حدثت في نهاية خطبة العيد حيث قال الخطيب: أقِم الصلاة، ثم انتبه أنها خطبة عيدٍ وليست خطبة جمعة.. فما كان منه إلا أن أردف قوله ذلك بعبارة: أتدرون أيّ صلاة؟ علينا أن نقيم الصلاة في نفوسنا قبل أن نقيمها في مساجدنا.. ثم استمرت الخطبة ربع ساعة أخرى بعد أن كان قد أنهك المستمعين بخطبة طويلة بدت لا نهاية لها!!
لقد كان من المتوقع في ظل "ثورات التحرير والحرية" والمتغيرات العظيمة التي تحدث في بلاد المسلمين أن يرتقي الخطباء التقليديون إلى مستوى الجماهير، وأن يلتحقوا بركب الثورات التي سبقتهم بأشواط والتي لم يكن لهم أي تأثير فيها فضلاً عن أن يكونوا من صانعيها.. ولكن كما هو معلوم أن فاقد الشيء لا يُعطيه.. فهذه حقيقة ثابتة لا يمكن تجاهلها!
لذلك ينبغي على عقلاء المسلمين أن يقفوا وقفة جادة مع هذه الظاهرة القاتلة، وأن يضعوا الخطط لتهيئة جيل جديد من الدعاة والعلماء الربانيين، يختارونهم بعناية من بين أبنائهم المتفوقين الذين يظهر نبوغهم المبكّر ثم دفعهم لطلب العلم الشرعي بالإضافة للعلوم الكونية، مع العناية التامة بالثوابت العقدية والتربية الأخلاقية والتوجيه الفكري السليم.. ليتسلموا بعد ذلك دفّة القيادة والريادة والخطابة وتوجيه المجتمعات التوجيه الشرعي الحرّ.
وإن ننسى فلا ننسى دور المعاهد والكليات والجامعات الشرعية التي تتحمل الجزء الأكبر من هذه المسؤولية.
هذه صرخة محبّ مشفق لكل من يهمه أمر الأمّة ونهضتها، وخاصة لمن هم في سدّة المسؤولية بكل أنواعها.. وإلا ستبقى فحوى خطبنا.. "أيها المؤمنون.. تصبحون على خير!!".
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة