لماذا ينقمون على الإسلاميين؟!
من يتابع الصحافة المصرية وعموم وسائل الإعلام العربية المرئية والمقروءة؛ يلحظ ذلك الهجوم الرهيب على الإسلاميين عمومًا، وعلى الإخوان بشكل خاص؛ الأمر الذي يستحق التوقف في هذه المرحلة الحساسة التي تعيشها الأمة .
لا حاجة بالطبع للحديث عن الدوافع التي تتسبب في هذه الظاهرة ممثلة في الحسد الحزبي، فضلاً عن الأحقاد الأيديولوجية، وأحيانا الطائفية على هذا التيار العريض من أبناء الأمة .
ما ينكره هذا الفريق المتعدد المشارب والأهواء، والمتفق ضمنًا على استهداف الإسلاميين هو أن هذه المكانة التي حازها الإسلاميون في الشارع لم تأتِ اعتباطًا. صحيح أنها نتاج صحوة دينية تتمدد في طول العالم العربي وعرضه، لكن هذه الصحوة لم تأتِ أيضا نتاج المصادفة، وإنما نتاج فشل الأيديولوجيات الأخرى ابتداءً، والأهم نتاج جهاد عظيم، وجهود استثنائية قام بها الإسلاميون خلال أكثر من ثلاثة عقود .
كانت هذه الصحوة نتاج دماء وتضحيات رهيبة عمادها مئات الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمعذبين والمنفيين، ولم تكن نتاج تبشير نظري مجرد، فالأفكار لا تنتشر عبر التبشير النظري فحسب، وإنما تنتشر بالدماء والتضحيات والنماذج الحية، ولم تكن دماء أجمل الشهداء في فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان لتمرّ من دون أن تترك أثرها في ضمير الأمة .
كان الإسلاميون طوال ثلاثة عقود يواجهون ظلم الأنظمة وجبروتها وفسادها في الداخل، فيما كانوا يواجهون الغطرسة الخارجية أيضًا. هذه هي اللوحة الأكثر وضوحا في تاريخهم، من دون أن نعدم من بينهم من تحالف مع بعض الأنظمة وبشر بطاعتها أو ركن إلى الأجانب وتحالف معهم .
من هنا كان طبيعيًا أن يكون الإسلاميون طليعة الثورات وأكثر الناس الذي ضحوا فيها، وكان طبيعيا أن تكون تلك الثورات ثورات مساجد وأيام جمع، وشعارها هو الله أكبر الذي كان يصدح في الميادين فيدك عروش الطغاة .
والتيار الإسلامي الذي نعنيه لا يمثله أعضاء الحركات الإسلامية كما سيذهب البعض، لأن التيارات الفكرية والسياسات تقوم على نواة صلة وحشود من الأنصار الذين يتبنون الفكرة ويدافعون عن النهج .
وهنا يمكن القول: إن هؤلاء الشبان الذين يهتفون الله أكبر ويواجهون الموت، بل تجرعوه في أماكن شتى هم من أبناء هذا التيار الإسلامي، وجهادهم يحسب لهم أيضًا حتى لو لم يكونوا منخرطين في أطر حزبية أو تنظيمية.
كل هذا لا يعجب الفريق الذي يشعر أن الزمان ليس زمانه، وأن أفكاره لا تلاقي أي تجاوب في أوساط الجماهير، ولذلك تراه إما مشككًا في الثورات ومتهمًا لها بالتعبير عن إرادة الأجنبي، أو ذاهبًا في الاتجاه الآخر عبر التشكيك في الإسلاميين أنفسهم، أحيانًا بالقول: إنهم ركبوا موجة الثورات ويريدون أن يسرقوها، لكأنها غنيمة ملقاة على قارعة الطريق، وأحيانا أخرى بالتشكيك بإمكانية وفائهم لشعارات الثورات المتمثلة في الحرية والعدالة والمساواة ورفض الفساد والتبعية للأجنبي، فضلاً عن الادعاء بأنهم سيفرضون على مجتمعاتهم نموذجًا متخلّفًا لا يقبله الناس.
والحال إن الإسلاميين لن يكونوا إلا في مربع الجماهير التي منحتهم ثقتها، وسارت معهم في المواجهة مع الأنظمة القمعية والفاسدة، وهي ذاتها التي منحتهم الحاضنة الشعبية الدافئة حين واجهوا العدوان الخارجي.
ليس ثمة خوفٌ من الإسلاميين إلا في عقول الحاسدين؛ الذين يريدون للأمة أن تتنكر لتراثها وقيمها وتجري خلف شعاراتهم التي أكل عليها الدهر وشرب. وليس ثمة خوف من الإسلاميين إلا في عقول من يريدون للأمة أن تبايعهم هم دون غيرهم؛ باعتبارهم أهل الفكر ودهاقنة السياسة، في مواجهة الدهماء الذين لا يعرفون من أمرهم شيئا.
الإسلاميون هم أبناء هذه الشعوب، وهم خرجوا من صميم فقرائها وطبقتها المتوسطة، إلى جانب الشرفاء من أغنيائها، وهم معنيون بأن يواصلوا الحصول على ثقة تلك الجماهير، ولن يكون ذلك إلا بالانحياز لضميرها الجمعي في الحفاظ على القيم الأساسية، وفي العمل من أجل خدمة الأمة بكل وسيلة ممكنة.
هم ليسوا ملائكة، وسيصيبون ويخطئون، لكنهم لن يكونوا لصوصًا يسرقون الثروات، كما لن يكونوا تبعًا للأجنبي بأي حال، وسيعملون كل ما في وسعهم من أجل تحقيق الأهداف العليا لشعوبهم، فإن أصابوا فمن الله، وإن أخطؤوا فمن عند أنفسهم، وسيأتي من داخل ذات البرنامج الإسلامي من يصححون المسار؛ لأن التنافس في المستقبل سيكون ضمن المرجعية الإسلامية في ظل استحالة عودة الأفكار الأخرى إلى سوق التداول من جديد بعد أن استعادت الأمة هويتها وانحازت إليها من دون تردد.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة