حتمية الثورة
إن الثورات العربية حتمية تاريخية وجغرافية، كان يجب أن تقوم منذ زمن بعيد، لأن جميع دوافع قيامها متوفرة في عالمنا العربي الحزين، فإن حكّامَه لم يكونوا سوى امتداد لحقبة الاستعمار اللعينة، وأدوات قمع للفكر والحرية، تفتت بهم المنطقة، ونُكبت بهم الشعوب، حاكمين ومخلوعين. لا يبالي أحدهم بتدمير بلده وإبادة شعبه في سبيل بقائه في الحكم، كما نرى الآن في سورية التي طال شتاؤها كثيرًا، وتأخر ربيعها جداً .
وإلا، فمن في القرن الحادي والعشرين يقبل أن تحكمه عائلة أربعين سنة أو يزيد؟ توفرت جميع دواعي الثورة في عالمنا العربي المنكوب بحكامه وحكوماته، حتى تنبّأ بقيامها كثيرون، نذكر منهم رجلاً أفنى حياته متحرقًا على أمته، وما آلت إليه أحوالها حتى رأى بعين قلبه الثورة تقوم على الوجه الذي قامت به قبل نحو 30 سنة، كأنه كان يبصر بنور الله ويرى ما لا يراه سائر الناس .
فكتب يقول: "وإنك لتمر الآن بالطريق، فتجد شرطيًّا يصفع بائعًا جائلاً أمام جمهور ضخم من النظارة الذين يرون هذا العمل الآثم، ثم يمضي أكثرهم غير آبه، ويقف الباقون ليُزجوا الرجاء إلى الجندي كي يعفوَ ويصفح عن عدوانه! لو أن سوطَ الظلم إذا مسَّ جسدَ مسكينٍ تأوّه له ألوف، وسرى الألم إلى جلودهم فلسعها، فبدلاً من أن يصرخ للعدوان صوت فذٌّ تجاوبت بالوجع والغضب أصوات جمهور غفير، إذن لفكّر الظالم ألف مرة ومرة قبل أن يفكر في الانفراد لينهشه" .
هذا هو ما كتبه الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، في كتابه البديع "الإسلام والاستبداد السياسي".
وهو كتاب قديم لكنه يدعو إلى الثورة، الثورة على الظلم على الاستبداد، على التفرد بالقرار وسوق الناس كما تُساق المواشي؛ يدعو إلى نبذ كل الأدبيات التي تدعو للخنوع والاستكانة للظلمة مهما كان مصدرها، لأنها تتعارض مع الروح الساري في القرآن الكريم وتتنافى مع جوهر الإسلام وهو الدعوة لتحرير الإنسان من العبودية لغير الله تعالى .
ألسنا الذين قال قائلنا: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ أم أن هذا الكلام قيل للعالم من دون العرب والمسلمين؟
أولسنا الذين قال قائلنا: إنما ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد؟
ألسنا الذين نزل القرآن بلساننا كله دعوة للتحرر وثورة على الظلم والاستعباد؟
إنّ أمّتنا لم تُنكب بشيء نكبتَها بالاستبداد السياسي، فهو أصل كل داء، وجرثومة كل مرض. ليس بالإمكان أسوأ مما كان، وهل ثمة أسوأ من أن تنفرد عائلة بحكم بلد نحوًا من نصف قرن من الزمان؟ ثم هي تطمع بعدُ أن تزيد. لقد شهد عالمنا العربي ثورات لم تكن أكثر من انقلابات عسكرية أطاحت بأنظمة لتأتي بأسوأ منها، وذهبت بملوك لتجيء برؤساء يبقون في الحكم أكثر من الملوك، باسم ثورات التغيير والتصحيح .
رحم الله العلامة عبد الرزاق السنهوري الذي أراد بعد ثورة من تلك الثورات أن يؤسس لدولة مدنية حقيقية، يُفصل فيها بين السلطات ويستقل فيها القضاء، ويُفرض القانون، فما كان من الثورة إلا أن ضربته بالأحذية العتيقة .
إن أمّة لا تستطيع أن تنفيَ عنها استبداد المستبدين لا يحق لها أن تتكلم في تحرير فلسطين، فلن يحرر فلسطين إلا شعوب حرة، كريمة، قوية، عزيزة، لا شعوب ترضى بحكم عائلة مأفونة، وأنظمة متعفّنة، تتاجر بشعارات المقاومة والممانعة والتحرير .
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن