أنت على ثغر
أن تَكوني مسلمةً مُتميِّزة يُشارُ إليكِ بالبَنانِ في كلِّ موقع وكلِّ مناسبة، فهذا أمرٌ مِن المسلَّماتِ التي يستوجبها العملُ الدعوي الذي هو رِسالة الأنبياء والمرسلين؛ ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].
وأن تكوني ذا همَّةٍ عاليةٍ وساعيةً دائمًا للقِمَّة والسُّموِّ في العمل الدعوي، فهذا أيضًا مما يجِبُ أن يكون ذا مكانٍ في الحُسبان والاعتبار.
إلاَّ أنَّه - أختاه الداعية - لا بدَّ مِن الحيطة والحَذَر أثناءَ هذه المساعي، وعملك الدعوي، ولتحقيق الغاية الطاهِرة، وهي إرضاءُ الله ونَيْل حُبِّه ورضاه، فالضوابط مطلوبةٌ، واليقظة مستوجبة، فالمؤمن كيِّسٌ فَطِن.
أختاه، يا حفيدةَ خديجة وعائشة:
إليكِ محاذيرَ هامَّة، وفي البداية أدعو لكِ قائلاً: طبتِ وطابَ ممشاكِ، وتبوَّأتِ من الجنة مَنزلاً، أسأل الله أن يُوفِّق جميعَ الداعيات العاملاتِ للدِّين وتبليغِ رسالة سيِّد المرسلين، إلى عدمِ الغفلةِ عن الأمرِ الهام العظيمِ، الذي به تَتحقَّق نهضةُ أنفسهنَّ، ونهضة بيوتهنَّ، ونهضة أعمالهنَّ ومهامهنَّ، ثم يتبعها - بإذنِ الله - نهضةُ نِساء مجتمعاتهنَّ، ومِن ثَمَّ نهضة أمَّةِ الحبيب محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم عودة مكانتنا ورِيادتنا، ووقوفنا على قِمَّة هرَم الأمم كلها.
أُختاه، هكذا كنَّا، فمتَى نعود؟!
فقدْ كنَّا هكذا مِن قبل، والآن يجب أن نعودَ، وأن يكونَ لكلِّ واحدة منكنَّ دَورٌ وهمَّة كبيرة في إسعاد البشريَّة قاطبةً بكلِّ طوائفها ومذاهبها؛ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
لكن أين الطريق؟ وكيف الوسيلة؟
إنَّ الطريقَ والوسيلةَ - يا أختاه - تتمثَّل في القيام بنفسِ الوظيفةِ التي كان الأنبياءُ والمرسلون جميعًا يقومون وقاموا فعلاً بها، وهي دعوةُ أقوامهم إلى الخير، إلى الله، إلى التوحيدِ الحق، إلى الفضيلة، إلى مكارمِ الأخلاق، تلك التي تربَّع على قِمَّة هرمها سيِّدُ الأخلاق النبيُّ العملاق محمدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد كان على رأسها وقمَّتها؛ ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]
فيا أختاه، احذري، يَحفظُكِ الله ويرعاكِ، اعلمي أنَّه عندَ قيامكِ بهذه المهمَّة - مهمة الدعوة إلى الله - وتلمُّسكِ الهمَّة، يجب عليك إخلاص نيَّتِكِ في إسعادِ نِساء هذه الأمَّة، فإنَّها - يا أُختاه - المحاذيرُ في طَريقكِ هامَّة، فكُوني لها ذات يقَظَة تامَّة.
فاحذري أن يَسيطر عليكِ إبليس في الدُّخولِ إلى فِكركِ ورُشدكِ وعقلكِ، فيأخذ يوسوس لكِ بوسواس خطير، وهو وسواس الشُّعور بالانهزاميَّة والدونيَّة، حيث يُوحي إليكِ بدَهائه الإبليسي أنْ لا شأنَ لكِ في أن تُصْلِحي مجتمعَ النِّساء، أو تُفكِّري مجرَّد تفكيرٍ في ذلك، فيَأخذ يَزيد في وسوسته، ويقول: كيف ستُصلِحين النساءَ والبنات، وهُنَّ قدِ انجرفنَ وتُهنَ وأصبحْنَ يتلقين النَّصيحة والوصية مِن هنا، ثم لا يلبثنَ دقائقَ وسرعان ما تذهب أدراج الرِّياح؟ ثم يَزداد اللعين إبليس وجُنوده، ويقول: عليكِ أيتها الداعية بنَفْسكِ، فلا داعي لإرشادِ النِّساء والبنات، ولا داعي لإيقاظ الغافلاتِ، ولا داعي لبثَّ الخير.
عيشي حياتَكِ، امْرحي فيها وبها وعليها، وامزحي وتناسي، واطربي بكلِّ شهوات النفس وزِينات الدُّنيا، لا داعيَ لدعوة البنات والنساء إلى ارتداء اللباسِ الشرعي الساتِر، كفَى بأن تتحشمَ الواحِدة في ملبسها وفقط، لا بأسَ بالتنُّورة والبلوزة والبنطلون، ما دام أنَّ طرحةَ الرأس تُغطِّي رأسها، لا داعيَ أن تتشددي مع النِّساء والبنات، الأهمّ أن تدعي إلى صفاء القلب، و...، وهكذا يأخُذ اللعين إبليس وجنوده مِن نساء الشرِّ أن يزيِّنوا لك الشر على أنَّه خير.
وإنْ رَددتِ على إبليس وجُنْده من النِّساء بقولك: إنَّ اللباس الشرعي هو الذي أمَر به الله ورسولُه ومُصطفاه، وإنَّ القرآنَ الكريمَ أوْضَح ذلك وضوحًا كالشمس التي لا تغيب، وإنَّ خروج المرأة بلباسٍ خارجٍ عن لباسِ الشَّرْع سيكون حتمًا فِتنةً للرجال، ووبالاً عليها وعلى الناسِ في الدنيا والآخِرة - إن رددت عليه وعلى جنودِه بذلك، أتوا إليكِ مِن جوانبَ أخرى، فيقولون لك: إنَّ الدين يُسرٌ، وليس عسرًا، وإنَّ الأهمَّ أنْ يكونَ قلب المسلمة عامرًا بالإيمان والصَّفاء مع الله - انظري إلى تلبيس الأبالسةِ مِن الجنِّ والإنس!
فتَردِّين عليهم: كيف تكون المسلمةُ عامرةَ القلب بالإيمان، ومظهرُها لا يَقيس ذلك الإيمان ولا يُعبِّر عنه؟!
فالأدْعَى أن يكونَ الباطن - وهو الإيمان - مدعومًا بالظاهِر، وهو ارتداء اللِّباس الشرعي، فالظاهر والباطن لا بدَّ أن يكونَا معًا أسوياءَ أصفياءَ، يُعبِّران عن طاعةِ الله ورسولِه والرغبة في الصَّلاح.
إلاَّ أنَّ إبليسَ بجُندِه سيقِف لكِ بالمِرْصاد، كلَّما حاولتِ أن تَصعدي في سُلَّم الدعوة ونشْر الفضيلة، ولو درجةً واحدة من درجاتِ الصُّعود إلى القمَّة في الدَّعوة والعمل لله، فسيأتي لكِ إبليسُ وجندُه في هيئةِ نِساء مثلك يُصوِّرْنَ لكِ ويتشدقْنَ بمبرراتهنَّ الإبليسيَّة، قائلات تارةً: إنَّ الأمْر يحتاج إلى وقت، وإنَّ البنطلون ما دام ساترًا للسِّيقان، فهذا هو الأهمُّ، واسعًا كان أو ضيقًا، وإنَّ التنورة ما دامت فضفاضة وطويلة فلا بأسَ، وإنَّ الجوارب في الأقدامِ لا داعي لها ما دامت التنورة طويلة، وستجدين منهنَّ تحاليلَ ورُؤًى - ما شاء الله - فقهيَّة عجيبة! لم يستطعْ أن يصلَ إليها كبارُ العلماء في معمورةِ الله الواسِعة.
إنَّها حربٌ مِن إبليس وجُنده، يُريدون مِن ورائها إنعاشَ وتزيين كل ما مِن شأنه خذلان المسلِمة الداعية ومحاربتها، وإعاقة فِكْرها، وتقويض مسيرتها، وإبعادها عن طريقِ الله، ودَعْوة وهداية البَنات والنِّساء.
إنَّ إبليس لا يَكْرَه في العالَم كلِّه مثلما يَكره سيِّدَ البشرية محمدًا - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - وأتْباعَه، ومِن ثَمَّ فكلُّ مَن تُريد مِن الداعيات أن تعملَ وتخلص وتتأسَّى بقُدوتها محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتَنال شرفَ الدعوة إلى الله، فإنَّ إبليسَ وجندَه سيتفانون في إبعادِ المسلِمة الداعية - ومَن هن على شاكلتِها - عن طريقِ الهُدَى والنُّور، طريقِ الحقِّ والقوَّة والفضيلة.
إنَّها معركةٌ أيتها الأخت الداعية:
مَعركةٌ بيْن إبليس وأمَّة محمَّد قاطبةً، وليس معكِ وحدكِ، معركة بيْن الحقِّ والباطِل.
معركة وتدافع مستمر لا يَنتهي ولا يَزول، ولن يتوقَّفَ حتى تقومَ الساعة ويأتي الفصْل.
إنَّها معركةٌ تحتاج منكنَّ إلى صبرٍ ومجاهدةٍ ونفَس طويل، معركة تحتاج منكنَّ لذِكر لله كثيرًا وصلاة قائِمة تقوم بحقِّها سيادة الفَرْد المسلم ونَظافته مِن الداخِل والخارج على السواء.
مَعركة تحتاج للتأسِّي بالأنبياء والسَّيْر على نَهجِهم وطريقتهم المثلَى، وليكون على رأسِ مَن تتأسين به منهم سيِّد الأوَّلين والآخِرين خليل الله وحبيبه، شَفيع الأمَّة وراحِم المساكين ومحبهم، المرسَل للناسِ كافَّةً هاديًا ورحيمًا ورَؤوفًا وفخرًا وعزًّا، محمَّد - صلَّى عليه الله وآله وصحْبه وبارَك.
وأخيرًا - يا أختاه - وليس بآخِر:
نسأل الله أن يُصلِحَ قلوبَنا وقلوبكنَّ، ويُقوِّم ألسنتنا وألسنتكنَّ، ويَشرح صُدورنا وصدوركنَّ، وييسِّر أمورَنا وأموركنَّ، ويَرْحَم ضعفَنا وضعفكنَّ، ويرْفع همَّتنا وهمتكنَّ، ويَجمعنا بكلِّ مَن يقرأ تلكم الخاطِرة الخارِجة مِن قلْبٍ أحبَّ الخيرَ للداعيات إلى الله كما أحبَّه لنَفْسه، همُّه أن يرَى أمة محمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذات سعادة، وفي قِمَّةٍ دائمة ورِيادة، وفي أمنٍ وأمانٍ ورخاءٍ وزِيادة؛ ليكونَ الملتقَى في جناتِ المأوى عندَ محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصحْبه - رضوان الله عليهم.
خاتمة:
اللهمَّ إنِّي أسالُك للداعياتِ وكلِّ البنات والنِّساء المسلمات مِن النِّعْمة تمامَها، ومِن العصمةِ دوامَها، ومِن الرحمة شمولَها، ومِن العافية حصولَها، ومِن العيش أرْغَدَه، ومِن العمر أسعدَه، ومِن الإحسان أتَمَّه، ومِن الإنعام أعمَّه، ومِن الفضل أعذبَه، ومِن اللُّطفِ أنفعَه.
اللهمَّ كُنْ للداعياتِ والفتيات والنساءِ جميعًا المسلمات، ولا تَكُن عليهنَّ، اللهمَّ اختمْ بالسعادة آجالَهنَّ، وحقِّق بالزِّيادة آمالهنَّ، واقرنْ بالعافية غدوهنَّ وآصالهنَّ، واجعلْ إلى رحمتِك مصيرَهنَّ ومآلهنَّ، واصببْ سِجال عَفوِك على ذنوبهنَّ، ومُنَّ عليهنَّ بإصلاح عيوبهنَّ، واجعلِ الداعياتِ المسلماتِ قدوةً صالحةً في كل ما يَدْعُون له وإليه.
اللهمَّ ثبِّتِ الداعياتِ وجميعَ الفتيات، والنِّساء المسلمات اللاتي على نهج الاستقامة، وأعذهُنَّ في الدنيا مِن موجبات الندامة يوم القيامة.
اللهمَّ خفِّفْ عنهنَّ ثِقل الأوْزار، وارزقهنَّ عيشةَ الأبرار، واكفهنَّ واصرفْ عنهنَّ شرَّ الأشرار، وأعتِق رقابهنَّ جميعًا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وأقربائِنا والمسلمين جميعًا مِن النار، يا عزيزُ يا غفَّار، يا كريم يا ستير، يا حليم يا جبَّار، يا الله يا الله يا الله.
اللهمَّ أَرِ الداعياتِ وكلَّ البنات ونِساء المسلمين الحقَّ حقًّا وارزقهنَّ اتِّباعَه، وأظهر لهنَّ الباطل وارزقهنَّ اجتنابه، ولا تجعلْه عليهنَّ مشتبهًا فيتبعن الهوى.. برحمتك يا أرحمَ الراحمين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن