المعركة في سوريا.. قد تطول... ولكن!
لن تفاجأ حين يتاح لك الاستماع لبعض شبيحة النظام السوري المنبثين من نبرة الارتياح التي يبدونها لسير المعارك في سوريا قائلين لأنصار الثورة: إنكم تقولون منذ عام إن النظام على وشك السقوط وإنه في ربع الساعة الأخير، فيما هو لا يزال صامدا وقويا إلى الآن.
هذا اللون من الخطاب يثير الازدراء ويبعث على الغثيان في آن، هو الذي لا يمكن أن يصدر عن بشر أسوياء ترتجف قلوبهم لمنظر الأطفال القتلى والنساء الثكالى، فضلا عن مشهد بلد يُدمَّر بكل أدوات التدمير ليغدو حطاما. إنهم قوم لا يشعرون بالغصة وهم يرون معاناة اللجوء لمئات الآلاف من الناس، ولا تثير مشاعرهم مشاهد الموت والدمار اليومية.
هم قوم أكلتهم الروح الحزبية أحياناً، والطائفية أحيانا أخرى، ولو أقسموا ملايين الأيمان على أنهم يتخذون موقفهم هذا دفاعاً عن الممانعة والمقاومة ما صدقهم إنسان طبيعي يحمل في داخله روح إنسان ومشاعر إنسان.
دعونا قليلا من الشأن السياسي، ولنتحدث عن موقف إنساني. لنتحدث عن شعب خرج يطلب الحرية. شعب يحب المقاومة وينحاز للممانعة ويحب فلسطين، لكن يرفض الخضوع للدكتاتورية والفساد. يرفض أن يكون رامي مخلوف هو الوصي على ماله. يرفض حكما طائفيا مريضا.
القضية بسيطة، فإما أنهم يثقون بالشعب، وإما أنهم لا يثقون بغير رئيس “بطل” وحفنة ممن حوله. والنتيجة أنهم لا يمانعون في تدمير بلد بأكمله من أجل قيادة لم تكن مقاومة ولا ممانعة من أجل المبادئ، وإنما من أجل مصالحها. ألم يعرض رامي مخلوف وبشار الأسد في أكثر من تصريح مقايضة مصالح الكيان الصهيوني ببقاء النظام؟!
ليس هذا موضوعنا، فالجدل مع من فقدوا إنسانيتهم وانحازوا للموت والدمار وقتلة الأطفال ضربٌ من العبث، ومن طمس الله على قلبه لن يردعه أي شيء.
موضوعنا هو هذه المراوحة التي تعيشها المسألة السورية، وقدرة النظام على الصمود حتى الآن، والمآلات التي تنتظر الثورة في ظل المواقف العربية والإقليمية والدولية التي يَصبُّ معظمها في صالح النظام، خلافاً لما يقوله موتورون يصرخون ليلَ نهارَ “مؤامرة مؤامرة”، بينما الحقيقة أن المؤامرة هي على سوريا التي تتعرض للتدمير كرمى لعيون الكيان الصهيوني، وعلى الشعب الذي يسيل دمه أنهارا بلا توقف.
مواقف عربية محدودة هي التي تقف إلى جانب الثورة، ومعها تركيا، وهي جميعا محكومة للسقف الأمريكي الغربي الذي يريد إطالة المعركة لتدمير البلد من أجل مصلحة الكيان الصهيوني، فيما يتمتع النظام بدعم شامل من إيران وروسيا (مع الصين)، فضلا عن العراق ولبنان الخاضعين عملياً لإيران تبعا لحسابات طائفية (شيعية صرفة في العراق، مع تحالف شيعي مسيحي “عوني” في لبنان). ولن نكترث هنا بمن يلقون في وجوهنا تهمة الطائفية وهم غارقون فيها حتى آذانهم. كل ذلك إلى جانب دولة أمنية تستند لبنية طائفية في جهازها العسكري والأمني، مع انحياز جزء كبير من الأقليات إليه، إلى جانب الأقلية التي ينتمي إليها الرئيس.
هل يعني ذلك أن النظام سيستوعب “الأزمة” ويتمكن من الانتصار في نهاية المطاف؟ الجواب: لا كبيرة، وأكبر من قدرة أولئك الشبيحة على الفذلكة والتزوير.
لقد قلنا منذ شهور طويلة: إننا أمام نموذج أفغاني في سوريا، وإن الاتحاد السوفياتي الشيوعي يُستبدل بإيران الشيعية التي استخفت بالغالبية الإسلامية وأخذها غرور القوة بعيدا نحو سياسة الغطرسة التي ستوردها المهالك.
صحيح أن النموذج الأفغاني كان يحظى بدعم أمريكي، وعربي باكستاني لا يتوفر هنا إلا في شق عربي محدود (من الصعب وضع تركيا كبديل عن باكستان، وإن تشابه الموقفان جزئيا)، لكن المسائل تبدو قريبة من بعضها لجهة المسار العام، ومن ضمنه الإصرار الثوري على الإطاحة بالنظام.
إن طول أمد المعركة لن يؤدي إلى خسارتها من طرف الثوار، فهم في وضع يشبه مقولة عقبة بن نافع (العدو من أمامكم والبحر من ورائكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر)، وهنا ليس أمام الثوار غير الاستمرار في الثورة حتى الانتصار، في ذات الوقت الذي يصعب فيه القول: إن داعمي الثورة سيقبلون أن تنتهي بانتصار إيراني على غالبية الأمة مهما طال أمدها؛ لا العرب الداعمون سيقبلون ذلك، ولا تركيا.
من هنا، فإننا رغم حزننا على طول أمد المعركة الذي يلوح في الأفق، إلا أن ثقتنا بالنصر لم تتزعزع أبدا، في ذات الوقت الذي لا نستبعد فيه تطوراتٍ من داخل النظام (كتفكك وانهيار بسبب الانشقاقات وتدهور الوضع الاقتصادي) أو من خارجه (تحسين مستوى تسليح الثوار) يؤدي إلى حسم أسرع مما يتوقع الكثيرون.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن