وعادت إليه روحه...
كالندى المتقاطر على وريقات الزهر المتعانق مع إشعاعات الفجر تلألأت كلمة الشهادة فوق شفاهه، لتخترق الصمت الكامن من زمن بعيد في أعماقه، صادحًا بالحق المبين "يريدون ليطفئوا نورالله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون"، انسابت من فيه إلى العالم كله، إعلانًا صريحًا لا زيف يشوبه، ولا قهر يرغمه... بإرادة مطلقة وحرية بالغة نطق بها ليصبح في ركب المهتدين.. وإلى الله سائرين.
هكذا كان المشهد... ليس خبرًا عاديًا ولا صورة عابرة لطرقات الزمان... إنها انعطاف بهذا القلب من الظلمات المتعددة إلى نور واحد، إلى نور الهداية، فقد كتبت له حياة جديدة وعمر جديد... هنيئا له هذه الحياة وهنيئًا لمن أنقذه من النار...بعدما فارق الكفر ولازم الإسلام.
ولكن أليس حرِيًا بنا أن نسأل: لم هذا التحول؟ وماالذي يدفع بأولئك المهاجرين من دنيا الأحلام، حيث يجد في ذلك العالم كل ما يوفر له من الرفاهية وما يتمنى من الراحة وما يطلبه من نعيم في الدنيا ليدخلوا في دين مطارد من بقعة إلى بقعة؟
أليس غريبًا أن يرضى هذا الإنسان بتكبد الخسائر؟! ليقف في صف المستهدفين بحرب ضروس!
كيف استطاع مفارقة دنياه المتألقة ببريق ساحر، ليغوص في دنيانا الغارقة ببحر من الضعف، المتربص بها العالم بكل عدته وعتاده، وهي تُرمى بسهام الغدر والحقد والقتل؟ ماالذي يحمل أولئك العابرين من دنيا الرفاهية والتطور والحضارة المزعومة إلى ولوج عالم إسلامي شُهرت في وجهه سيوف القنص والتنكيل؟
لا شك أن الغرب قد فاق العالم الإسلامي بالتطور التكنولوجي وبالاختراعات المتعددة وبكل ألوان الحياة، وذلك بما مكنهم الله تعالى به من استغلال خيرات الأرض وما فيها، تصديقا لقوله تعالى: "ويخلق ما لاتعلمون" (النحل 8)، حتى بلغوا بما علمهم الله من الفضاء بعض الأسرار، واخترقوا بغواصاتهم لجج البحار...
ولكنهم وإن تعلموا فن التحليق في السماء كالطيور أو غاصوا في البحار كالأسماك... غير أنهم ما أتقنوا مهارة المشي على الأرض فكانوا كالأطفال لا يدركون حقيقة الدمى ولا يميزون بين التمرة والجمرة، ما عرفوا كيف يعيش الإنسان على الأرض محققًا الغاية من وجوده "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".
تفوقوا في العلم والتقدم التكنولوجي وقدموا للعالم وسائل متنوعة لتسهيل عجلة الحياة وسيرها، غير أنهم نسوا في ما بعد لم وجدت هذه الآلات حتى صارت هي الغاية ولم تعد الوسيلة، نكص دين الغرب على عقبيه خائبًا لا يلبي حاجات الفرد الإنسانية، فتعطشت القلوب لما يرويها.
جعلوا عنوان الأخلاق شهواتهم فذابت إنسانيتهم وتاهت قيمهم، حتى بات الحليم بينهم حيرانًا، لا يملك أن ينكر ما يختلج في صدره من سوء يراه بعينه، يختلق للدفاع عن الرذيلة مبادئ مصطنعة يؤلفها لسانه وتنكرها أخلاقه الإنسانية المدفونة في أغوار نفسه. انسلخ الإنسان عن هويته وصار حيوانًا بصورة إنسان على نحو ما ذكر فلاسفتهم... وما زال فكرهم محتارًا.
وفي تربة العالم الغربي، ألقيت بذرة العلم والمعرفة، فنمت وكبرت وصارت شجرة باسقة امتدت أفنانها فعانقت عباب السماء وترسخت جذورها بواطن الأرض، فماذا أثمرت؟ ما كان ثمرها إلا السم يحول الإنسان عبدًا للشهوات وتلميذًا للشيطان، سلطانه الهوى وقائده التكبر والردى، ومازال ديدنهم على هذا الحال حتى ضلّ الخلق... فهلك منهم من غوى.
أبعد هذا يُسأل ماذا خسر الفتى؟!
خسر مقعده من النار... خسر فنّ اللهو والقمار... خسر الغانيات وصحبة الفجار... خسر الذل والبوار... خسر القينة والغيثار... خسر دنيا الآثام ليلوذ بقلبه بالفرار، فهنيئا له الهداية لعله يدخل جنة الأبرار.
فيا أيها السادة القراء
إن مسؤولية تبليغ هذا الدين ليست مقتصرة على أفراد بعينهم ولا على جماعة بنفسها، فمن حق هؤلاء الذين يعيشون في برك الرمال المتحركة من الشهوات والماديات أن تلقى إليهم حبال الرجاء والأمل ليتعرفوا على أرواحهم ونفوسهم، ليبلغوا الغاية من حياتهم من خلال الدين الحق، دين الإسلام الحنيف الذي يكفل للإنسان كرامة الحياة وحقيقة معناها، ويبصرهم بطريقة العيش التي غابت عن أذهانهم وعن خلجات نفوسهم.
وهذا يستلزم منا تكاتفًا وتناصرًا و ليُدْلِِ كل منا بدلوه، لتصاغ الرسالة بنصها الإسلامي وتوجّه إلى أولئك في أراضيهم. كلٌّ على قدر وسعه الذي ملّكه الله تعالى إياه، فلنُسألن جميعًا عن ذلك فلنعدّ للسؤال جوابًا.
• تعليقًا على إعلان دخول شاب في الإسلام عن طريق المنتدى للتعريف بالإسلام.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن