عيد الأضحى... بين حزام الأحزان وبشائر الآمال!
لا يَتعارَض في فكر المسلم فَهمُه لفلسفة الأعياد في الإسلام وتفاعُلُه الشعوري والسياسي مع قضايا أمَّته وهمومها وأحزانها لأنه عظيم الاستبشار ببشائر الانتصار؛ فهو في الوقت الذي يَشعُر بفرحة أداء الحجاج لنُسُك الوقوف بعرفة وقيامهم بالتلبية لإتمام مناسك عبادة من أعظم عبادات الإسلام وهي (الحج) ويتذكر خُطبة حَجّة الوداع العظيمة التي ألقاها النبيّ صلى الله عليه وسلم في عرفة في حجته الوحيدة واستوصى فيها أمته بأغلى الوصايا وأعظمها، كما أعلن أعظم المبادئ لحقوق الإنسان، فيتذكر إتمام نعمة الإسلام ونزول آية عظيمة في ذلك الموقف المَهيب الذي شَهِده أكثر من مئة ألف من الصحابة وهي قولُ الله عز وجل: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكمُ الإسلام دينا)... فيلهج وسائر المسلمين مع الحُجّاج مكبّرين وشاكرين: يشكرون اللهَ - سبحانه وتعالى - على نعمة هذا الدين العظيم بما تجلَّى فيه من كثيرٍ من مؤشِّرات الخيريَّة ودلائل النِّعَم، وتَوْجَل قلوبُهم ضارعةً ألاَّ يُحرَموا من الأجر وقَبول الجُهد، وأنْ يكونوا ممَّن شَمِلتهم مغفرة الله - عزَّ وجلَّ - ومَنَّ عليهم بالعِتق من النار.
مع ذلك تخنقُ فرحتَهم الجزئيَّة هذه حِزامٌ من الأحزان، لا ليقعوا في اليأس أو الإحباط، وإنما ليتولَّد عندهم مزيدٌ من قوَّة الإصرار على مُغالَبة أسبابها:
1. حُزنُ إقصاء الإسلام عن موقع الإدارة السياسيَّة والتشريعيَّة والإعلاميَّة والتربويَّة في بلاد المسلمين، وهو كارثة الكوارث، ومنبع أخطر الشُّرور وأشدِّ المفاسد.
2. وحُزنُ تولِّي "مَن لا خَلاق لهم عند الله" - في كثير من بلاد المسلمين - سُدَّة الحكم والمسؤوليَّات فيها! نعم جاءت ثورات التحرُّر العربي لتخلِّصهم من عددٍ من الحُكّام الفاسدين والحمد لله.
3. وحُزنُ مَأساة احتِلال "أعداء المسلمين" لفلسطين الحبيبة، وأفغانستان الأبيَّة، وكشمير الممتَحَنة... ولعددٍ آخر من بلاد المسلمين الرازحة تحت نير الاحتلال الروسي البَغِيض.
4. وحُزنُ المنازلة الشرسة بكل آلامها وتضحياتها في سوريا الحبيبة بين النظام المُجرم والشعب الثائر... مع ما ينطَوِي عليه ظلم النظام ووحشيّتُه وبطشُه من آلامٍ ونكبات...
... ولكن على الرغم من ذلك كلِّه فإنَّ بَريق آمال الخلاص من هذه الأحزان سيَبقَى محفِّزًا لتحويل تلك الآمال إلى واقعٍ مُشرِقٍ عزيز، يُرضِي اللهَ ورسولَه، ويغمُرُ المؤمنين الصادقين بالفرح: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ [الروم: 4 - 5]، بَرِيق الثقة العظيمة بالله وقوة الإيمان مع إرادة التغيير وعزيمة التنفيذ، وبريق التخطيط الواعي الصادق للمستقبل، وبريق الأمل العظيم بالمؤمنات الأبيَّات صانِعات الأجيال، والمتصدِّيات لأخطر مشاريع الإفساد في بلاد المسلمين... الإفسادِ الأخلاقي البَشِع، وإفسادِ التخلُّف والتجهيل وتهميش الإنسان... وبريق انتصار الثورة السورية المجيدة على العصابة المجرمة المتحكّمة في سوريا الحبيبة... وصدَق الشاعر المؤمن في قوله:
مَا الْعِيدُ إِلاَّ أَنْ نَعُودَ لِدِينِنَا * * * حَتَّى يَعُودَ قُدْسُنا الْمَفْقُودُ
مَا العِيدُ إِلاَّ أَنْ نكُون أُمَّةً * * * فِيهَا مُحَمَّدُ لاَ سِوَاهُ عَمِيدُ
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن