فإذا عزمت!!
شغلني.. حتى صرت أسير باحثة عنه في كل مكان.. آثار باقية في بعض ممارساتي.. ومضات ألمحها في تصرفات من حولي.. مواقف لا تنسى ولن تنسى.. كنت أسير ابحث عنه يشغل تفكيري وبالي حتى أني حاولت اصطناعه واختلاقه لعله يأتيني ويراودني بنفس قوة ما كان..
إنه "العزم".. كلما رأيت موقفاً يعتريه التهرؤ والضعف أعرف أنّ ما ينقصه هو قوة العزم، تلك التي لو نزعت من النفس لصار كل ما تفعله هزيل مهترئ وإذا بدأته فلا يستمرّ طويلاً، فالنفس ستجزع وتمل.. وتجدها ضعيفة في مواجهة ما قد يجابهها.
نعم.. ذلك العزم الذي يعرف صاحبه على بعد آلاف الأميال.. تلك القوة التي تقيم صاحبها بين يدي الرحمن ليلاً يتلو ويرقى.. وتلك القوة التي تملأ جنباته فتجعله يسعى بين كل الأماكن لا يحسب المسافات ولا يرعى لها اهتماماً، لا يهمه كم قطع ولكن يهمه ماذا فيها قد صنع.. تلك القوة التي تفتح العينان ثاقبتان بحثاً عن علم ينتفع به.. وتثبت اللسان على دعوة لحوحة تستجاب لا ترد.. وتمد الجسد بمدد يشع قوة لا يستنفذها بل يبثها فيمن حوله.
كنت أبحث وتتكالب الخواطر على عقلى وقلبي وإن تكالبها علي أشد وأقسى من الحياة بأسرها..
سألت زوجي من يومين: "ذكرني بكتاب أقرأه، كتاب أحتاجه".. فوجدته يقترح لي كتب عن التحكم في النفس وتعجبت طويلا كيف له أن يعلم ما أبحث عنه.. أيبدو علي أمارات لما ابحث عنه.. وبحثت طويلا عن الكتاب الذي اعلم أني أملكه ولم أجده.. ربما كان اختبار لصدقي في البحث... تلك الليلة أخدت اسمع لكلمات تذكرني بعهودي الأولى وعزمي الذي كان يحركني.. كنت استحثه بكل ما أوتيت من قولي: ولمعت عيني وانا اردد.. "فأمامنا سفر طويل من بعده يأتي السكن".
حتى جاءتني رسالة منه.. من ربي.. من كنت أوقن أنه لن يتركني في حيرتي وبحثي طويلة.
كنت أعلم ان صباحي اليوم مختلف.. ظهر جلياً منذ بدايته.. وربما أني عزمت على جعله كذلك قسرا وقهرا.
وجاءني خبر "سند" لتتوطد قدماي عند كلماته.. وسند لمن لم يقرأ الخبر بعد هو من البوسنة من أسود الله 47 عام اشتاق بصدق لأداء فريضة الحج فقرر أن يسير إليها سيرا دون حساب لمعوقات ولا صعاب ولا جهد.. قد انطلق إلى الله وحسبه عزيمته.. فالله غايته.
وسند راوده حلم السفر إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة منذ عدة أعوام، ولكن لعجزه عن تدبير تكاليف السفر لم يستطع تحقيق حلمه بأداء فريضة الحج، فقرّر سند أخيرا أن يحج سيرا على الأقدام معتمدا على ضيافة أهل الخير خلال السفر. واستضافه الكثير من سكان القرى سند خلال رحلته،بدأ الرحلة دون تخطيط يذكر يقينه أن الله يطعم الطيور وآمله في الله أنه سيطعمه أيضا.
كان سند يقطع 20 إلي 30 كيلومترا يوميا خلال رحلته و قد عبر حدود ست دول قبل الوصول إلى مكة المكرمة، فعبر البوسنة ثم صربيا ثم بلغاريا وتركيا ثم سوريا ثم الأردن وصولا إلى مكة.
ربما كانوا قديما أيام الرسول - صلى الله عليه وسلّم - وصحبه - رضي الله عنهم - يقطعون أميالاً أطول ولكن كان هو المتعارف.. لم يكن هناك طيارات وسفن وسيارات.. وربما هناك من سار أميالا أطول من سند ليكسر حاجز ويحقق رقم قياسي لكن ما أسرني في قصة سند هو تفكري في كم شخصا ألهم.. وكم صعوبة واجه.. وكم جديدا تعلّم.. وكم ليلة صبر.. وكم أفكار يائسة هزم.
إنها النفس عندما يحركها العزم ويوجهها الصدق ويطمأنها الإيمان ولا ترى سوى رضى الله مقصدا.. فلا بدّ لها يقينا من الوصول.
وقد وصل سند.. تزوّد بعزمه وانطلق به.. وأحسبه سوف يحيا بهذه الرحلة طويلا وسيتبعه آخرون.
وعندئذ قمت وخططت كلماته على وريقات وثبتها أمام عيني.. حتى إذا بحثت عن عزم ملهم.. جاءني..
(“انطلقت ومعي 500 يورو واعتمد فقط على دعم الله ونوايا الناس الحسنة الذين يفتحون لي ابوابهم، ومن اقواله خلال رحلته “الوصول الى مكة مشيا هو امنيتي الوحيدة. فاما ان اتمكن من ذلك واما اموت لكنني لن اعود الى البوسنة من دون ان اكون قد انجزت ذلك”. و أشار حاجيتش الى انه خلال رحلته كان في حقيبة الظهر نسخة عن القرآن وسجادة صلاة وخرائط الدول التي يعبرها واعلامها. واثناء عبوره تركيا كان من تصريحاته“بعد تركيا اريد ان اعبر سوريا رغم النزاع وبالتحديد بسبب النزاع. سارفع علما سوريا يحمل كلمة “حرية” واصلي لضحايا نظام الرئيس السوري بشار الاسد”.و عندما سئل ألم تخف البرارى الجبال والطرقات المظلمة،أجاب قائلا:" الله معى فى كل مكان فلما أخاف، كم فرحت وقد استقبلنى فى كل مدخل مدينه المسلمون يقدمون لى المساعدة و الدعاء و بتوفيق الله و صلت للحج".)
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة