ماذا حين يدخل الصهاينة على الخط السوري؟!
قبل شهور قام الطيران الإسرائيلي بقصف ما يسمى مركز البحوث العلمية في جمرايا بدمشق، ثم تبين أن الهدف كان قافلة سلاح موجهة إلى حزب الله. وكالعادة في مثل هذه الحالات التي تكررت مرارا خلال سنوات السابقة، توعد النظام بالرد في الزمان والمكان المناسبين.
خلال الأيام الثلاثة الماضية، ضرب الطيران الإسرائيلي مرتين؛ الأولى عبر الأجواء اللبنانية باستهداف قافلة صواريخ متوجهة من سوريا إلى حزب الله، والثانية بضرب مركز البحوث في جمرايا، ومواقع أخرى ذات صلة بالسلاح الكيماوي والأسلحة المتطورة، إضافة إلى قافلة سلاح .
في هذه الحالات، يعتمد الإسرائيليون على معلومات استخبارية دقيقة قادمة من الداخل السوري، وقد لا يكشفون كل شيء بطبيعة الحال من أجل حماية مصادرهم، فضلا عن الانسجام مع الحسابات السياسية التي تقف خلف الضربة.
حتى الآن، لم يقم حزب الله بالرد على خروقات طيران الاحتلال للأجواء اللبنانية (الهجومان تما عبر أجواء لبنان)، هو الذي لم يرد إلى الآن على اغتيال عماد مغنية، ولا النظام فعل ذلك.
تلفزيون بشار الأسد قال تعليقا على ما جرى إن «الاعتداء الإسرائيلي على مركز البحوث في جمرايا يأتي لتخفيف الطوق عن الإرهابيين في الغوطة الشرقية بريف دمشق». أما القناة الإخبارية السورية فكررت ذلك بالقول إن «الكيان الإسرائيلي يستخدم صواريخه لدعم الإرهاب عبر استهدافه مركز البحوث»، متهمة «الدولة العبرية بممارسة إرهاب دولة لتخفيف الضغط عن العصابات المسلحة»، مضيفة أن الهجوم يشكل «مؤشرا جديدا على أن إسرائيل هي الأصيل والإرهابيين هم الوكلاء».. (لماذا ينشغل جيش بشار بالوكلاء، ويترك العدو الأصيل؟!).
ما ينبغي أن يقال ابتداءً هو أن المتحدثين باسم الثورة وعموم شرفاء الأمة لم يترددوا في إدانة الغارات الإسرائيلية، هي التي تصيب مواقع للسوريين وليست لبشار، ولو رد النظام عليها لأشدنا بذلك من دون الكف عن تأييد الثورة ضده كنظام دكتاتوري فاسد.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بأهداف الغارات الإسرائيلية وتبعاتها على منظومة الصراع في سوريا، وهنا يمكن القول إن التوجه الإسرائيلي لا زال على حاله في دفع الغرب إلى ترك الصراع يأخذ مداه كي يدمر ما تبقى من سوريا، فيما يفضل على ما يبدو بقاء بشار بعد ذلك ضعيفا ومنهكا يخضع للإملاءات؛ على مجيء «ثوار منتصرين وهائجين» مكانه بحسب تعبير الصهيوني الأمريكي المعروف دانيال بايبس.
على أن ذلك لا ينفي أن القرار الإسرائيلي لا زال يركز على حركة السلاح الكيماوي، وعموم الأسلحة التي يمكن أن تستخدم لاحقا في مواجهته من قبل «قوىً تصعب السيطرة عليها» كما يردد دائما، وهي قوىً تشمل برأيه مجموعات الثوار، بخاصة الجهادية التي تقاتل النظام، ولا تستثني حزب الله أيضا.
مسلسل الغارات الإسرائيلية هو جزء لا يتجزأ من معركة السلاح المتطور التي يجري إشغال العالم بها حفاظا على أمن دولة الاحتلال، وكان أوباما قد خرج بعد الغارة الأولى يبرر للصهاينة فعل كل ما يرونه حفاظا على أمنهم؛ قبل أن يعتبروا تصريحه بمثابة ضوء أخضر لتنفيذ الغارة التالية.
في هذا السياق، تبدو الغارات الإسرائيلية بمثابة إحراج للنظام وداعميه في طهران والضاحية الجنوبية الذين لم يتوقفوا عن المتاجرة بحكاية المقاومة والممانعة؛ وأن الثورة السورية ما هي إلا مؤامرة عليها، لاسيما أنها (أي الغارات) قد جاءت بعد أيام من تصريح نصر الله بأن «لسوريا أصدقاء حقيقيون لن يسمحوا لها بأن تسقط في يد أمريكا أو إسرائيل أو الجماعات التكفيرية»، وهو ما ردده علي أكبر ولايتي وآخرون، ولن يقبض أحد حكاية كونها جاءت لدعم تقدم النظام في مواجهته مع «الإرهابيين»، لأن موقف تل أبيب الذي لا زال يحكم الغرب معروف، ويتمثل في إطالة أمد الحرب. وإذا قيل إنها تأتي وسط بعض التقدم لقوات النظام، فقد جاءت الغارة السابقة قبل شهور، بينما كان يتراجع بشكل ملحوظ. ولا ننسى هنا القول إن الغارات ربما شكلت خدمة للنظام على نحو ما، وبالطبع تبعا لمجيئها بعد يوم واحد من مجازر بنكهة التطهير الطائفي في مدينة بانياس الساحلية.
لا جديد إذا، فالمسلسل بدأ، وسيستمر بعد الضوء الأخضر الأمريكي، ولا يمكن الجزم بما إذا كانت إيران التي تدير الحرب في سوريا سترى حاجة للرد برشقات صاروخية على أهداف إسرائيلية، وبالطبع في سياق تأكيد حكاية المقاومة والممانعة، وربما أيضا في سياق من دعم انتخابات الرئاسة الإيرانية التي تجري منتصف هذا الشهر، ويبدو العامل السوري لاعبا أساسيا فيها بسبب خشية المحافظين من هبة شعبية احتجاجا على سوء الأوضاع الاقتصادية نتيجة العقوبات، ونتيجة تبديد المال الإيراني في دعم بشار، ومغامرات خارجية أخذت تصطدم بالجدار المسدود.
في هذه الحال أيضا، لن يتغير المشهد، وسيكون الرد محدودا من الطرفين، من دون أن تتوقف الغارات الإسرائيلية إذا دعت الحاجة إليها، ومن دون أن يتغير ميزان القوى على الأرض، والذي يميل إلى حرب استنزاف ستؤدي بمرور الوقت إلى يأس النظام وداعميه، وميلهم إلى تنفيذ الخطة (ب) التي اعتمدتها إيران ممثلة في الدويلة العلوية بعد إتمام عمليات التطهير الطائفي التي ينفذ حزب الله جزءا منها في القصير وحمص، بينما يتكفل النظام بمناطق أخرى، كما في بانياس وسواها. ولعل ميل النظام إلى نقل أسلحة متطورة لديه إلى حزب الله، إنما يعكس مزاج يأس أكثر من أي شيء آخر، ولو كان يعتقد بأنه باق في السلطة لما فعل ذلك.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن