إياك و"إجر السيد"
هم دائماً خارج النقاش والتفاوض. فهم أطهر وأنقى وأشرف من أي بحث أو تفصيل. هم جوهر هذا الوطن ورمز عزته وكرامته، وبدونهم لا كرامة ولا عزة لأحد. ليس لك حتى الإشارة ولو غمزاً إلى أخطائهم. فهم فوق الشبهات وفوق الغمز واللمز والهمس. أمجنون أنت؟! أنت تتحدث عن أشرف الناس وأطهر الناس وأكرم الناس. كيف تجرأت على ارتكاب جرم التفكير في إمكانية وقوعهم بالأخطاء. هم الذين لايخطئون، وإذا أخطأوا يصبح ما قاموا به صواباً، وينتقل الخطأ تلقائياً إلى الآخرين ولو كانوا على الحق. فالحق بالنسبة إليهم يُعرف برجالهم فقط.
يحتكرون مصطلحات كبيرة فضفاضة، لايمكن لطرف أو جهة أن يحملها بمفرده. فهم المقاومة ولا أحد غيرهم، ولو سبقهم إليها الكثيرون، وتابعها من بعدهم الكثيرون. هم الممانعة ولا أحد غيرهم، ولو عقدوا التفاهمات والاتفاقات والصفقات فوق الطاولة وتحتها مع "الشيطان الأكبر والأصغر". هم المحرِّرون لا أحد غيرهم، ولو تخلّوا عن هذا الواجب والتفتوا إلى معارك أخرى، القاتل فيها يصرخ "يا زينب، والمقتول يصرخ "الله أكبر".
من يقف وراءهم وربما تحتهم، نال شرف المشاركة في هذه المقاومة والممانعة، حتى ولو كان سفاحاً سفاكاً للدماء تقطر من أنيابه القذرة دماء ضحاياه، وتعلق بين مخالبه بقايا لحوم بشرية لم ينته من افتراسها. أما من أراد الاستقلال عنهم، أو الوقوف بجانبهم وليس وراءهم، فقد ارتكب الخيانة العظمى. وما عليه سوى التوبة عن هذا الأداء، والمسارعة بالعودة إلى الحظيرة قبل أن ينزل به حكم محكمتهم التي لاتقبل أي شكل من أشكال النقض والاستئناف والتمييز، فيصبح بين ليلة وضحاها من أراذل القوم وأدناهم.
يوزعون مقدساتهم أينما أرادوا. والمقدس هو فقط ما يرونه هم، سواء اشترك معهم الآخرون في هذا التقديس أم لم يشتركوا. فهم مركز العالم الذي تدور من حوله الكرة الأرضية. زعيمهم مقدس لايجوز المساس به، فداء "لإجره" يقدمون أرواحهم وأرزاقهم، وينالون من أرواح وأرزاق وكرامات العباد. مقاومتهم مقدسة، إياك والتفكير بالنقاش حولها، وهي مسلّمة ليس مسموحاً حتى مجرد التفكير بالاقتراب منها. سلاحهم مقدس، وفي سبيل حمايته مستعدون لاستخدامه في مواجهة الصديق والشقيق قبل العدو. ابتكروا ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، وحوّلوها إلى مقدس جديد، من يقترب منها تحرقه بلهيبها. أما شهداؤهم، فهم بالطبع مقدسون، أياً كانت المعركة التي سقطوا فيها، طالما أن ورقة نعيهم تحمل عبارة "الواجب الجهادي".
هم رجال الله على الأرض، هم فقط ولا أحد غيرهم من يحمل لواء العزة والكرامة والإباء لهذه الأمة. هم الذين يخوضون المعارك ولا يخسرون، حتى ولو أقروا لاحقاً بأنهم لو كانوا يدركون حجم الخسائر التي ستنجم عن معاركهم لما خاضوها. لكنهم رغم ذلك يخرجون دائماً منتصرين!!. لذلك، يحق لهم أن يسخروا ممن يشاؤون، وأن ينالوا من كرامة من يشاؤون، وأن يلفقوا التهم لمن شاؤا. فقطارهم الوحيد الذي سيصل إلى بر الأمان، ولو كان يسير نحو الهاوية. من ركب فيه نجا، ومن فاته هلك.
ساعة يشاؤون يصبحون دعاة حرية الرأي والتعبير حتى ولو كان في هذه الحرية انتقاص من كرامات الآخرين وإهانة لهم. وساعة يشاؤون يتحوّلون إلى دعاة القمع والمنع والتضييق على الحريات والتفكير.
ساعة يريدون ينالون من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء والنواب الذين لا يمشون حسب هواهم. فيلصقون بهم التهم ويوجهون إليهم الشتائم. كيف لا وهم الوكيل الحصري لتوزيع الكرامات على العباد. أما إذا اقترب أحد من رموزهم، فتسير التظاهرات "العفوية"، وتُقطع الطرق، وتُحرق الإطارات المطاطية، ويستبيح شبيحتهم "بشكل عفوي" المناطق المجاورة لمناطقهم. فحذار، حذار أن تسوّل لكم أنفسكم الاقتراب من مقدساتنا.
صمّوا آذاننا بحديثهم عن الوحدة والتكاتف في مواجهة أعداء الأمة، وهم يجهدون ليل نهار في تفتيت الصف الداخلي، وشراء الذمم. يخبرونك أمام وسائل الإعلام عن مساعيهم لوأد الفتنة، لكنك حين تسمعهم بعيداً عن الإعلام وتتابع أداءهم على الأرض، تجدهم يقطرون فتنة وحقداً وضغينة.
هم شركاؤنا في الوطن شئنا أم أبينا. ربما هو ابتلاء من رب العباد، يريد أن يمتحن من خلالهم صبرنا. لانملك إلا الدعاء لهم بالهداية، وأن يلهم زعماءهم الرشد والسداد.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة