داعية ومربية وعضو رابط الأدب الإسلامي العالمية. عمان - الأردن
حاضر العالم المستسلم
في أواسط السبعينيات كادت مجتمعاتنا تنزلق نحو هاوية لا يعلم أبعادها إلا الله سبحانه وتعالى لولا أنْ قيَّض الله لهذه الأمة رجالاً حفظوا عليها دينها ونهلوا من معين علوم الإسلام الحقيقية فتعرّفوا إلى منحة الحياة، وتعرّفتْ عليهم بل صاحبَتْهم محنها، وقد شرفني الله بدراسة بعض المواد في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية فأدركت أن العلوم الشرعية تحتاج إلى فطنة وذكاء ودربة كغيرها من علوم المادة وأكثر من ذلك، فهي تحتاج إلى براعة فائقة وفنّية عالية في تبليغها للآخرين بينما لا يحتاج المهندس ولا الطبيب لملكات أدبية وقدرات حوارية لإقناع الناس بضرورة الطب أو الهندسة... أذكر أنني درست مادة «حاضر العالم الإسلامي» عند دكتور فذٍّ قلَّ نظيره في حماسته النادرة لقضايا المسلمين التي كانت تقضّ مضجعه.
أذكر دكتورنا الفاضل يوم أن دخل قاعة المحاضرات فرأيته لأول مرة فداخلني شعور غريب، وربما لو طُلِبَ مني أن أجسِّد صورة الصحابة رضي الله عنهم لجسَّدتها في مرآه. لم يستجلب مهابته بالعبوس ولا حزمه بالصوت العالي ولا احترامه بازدرائه للآخرين، وحاشاه ثم حاشاه أن يفعل.
وفي محاضرتنا الأولى سألَنا: ما اسم المادة التي سجلتموها؟ أجبنا ببساطة «حاضر العالم الإسلامي». قال: لو سمحتم امسحوا هذا العنوان واكتبوا واحداً من اثنين، إما «حاضر العالم المستسلم» أو «حاضر العالم المتمسلم»، وانقدح الشرر من عينيه وهو يقول:
أمنيَّتنا أن تكون لنا دولة إسلامية واحدة ونحقق الخلافة الراشدة في رقعة على الأرض صغيرة.
وكرّر وقد انطلقت منه زفرة عميقة «عالم إسلامي»، أيّ عالم وهميّ! ثم أمسك خارطة العالم الإسلامي وغطى حال الحكومات والحركات في كل دولة على حدة... كانت عباراته قوية وكلماته مدروسة. وفي نهاية الفصل وقف شامخاً وقال: إني أتحدّى العالم أن يكون قد رأى فترة زمنيّة أشد سوءاً من أيامنا هذه -أواسط السبعينات من القرن الماضي. ولم يدر دكتورنا الفاضل «الناصح الأمين» ما حلّ بأمتنا... من بعده.
ثم تشاكس صاحب الأهداف النبيلة مع قومه، ولما انتقل إلى أفغانستان لامَه قومه، ولكنه أنجز هناك إنجازات عظيمة وبلغت دعوته أقطار الأرض. وفي يوم جمعة حزين وُضع تحت سيارته متفجرات تكفي لتفجير دولة، وسمعنا الدكتور الشاعر عبد الرحمن العشماوي يَرثي الدكتور المجاهد عبد الله عزام في مرثيّة طويلة أذكر منها:
جُرحي بجُرحِكَ يا عزّامُ موصولُ * جُرحٌ تشاركنا فيه الملايينُ
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن