طالبة جامعية في كلية الطب | لبنان
الأسير
يداه مكبّلتان بالقيود... رجلاه مربوطتان بأثقال من حديد... فمه مُغلَق بقماش زهيد... وجد نفسه في زنزانة ضيّقة، ممنوعاً من كلّ شيء... إلا النظر عبر نافذة تطلّ على العالم الخارجي.
رأى ظلماً وجَوْراً، رأى اضطهاداً وقهراً، فأراد أن يخرج كي يرفع الظلم، ولكنّه تذكّر أثقال الحديد وقيود اليدين وأعمدة الزنزانة، فجلس واليأس يأكله من كلّ جانب... أراد أن يصرخ بالنّاس الأحرار الذين تخبّطوا في الحياة حائرين من دون هدفِ ولا وجهة ولا دور يساهم في تغيير الواقع، ولكنّه تذكّر أن القماش يسدّ فاه ويمنعه من الكلام...
ذات يوم، ناداه رجلٌ من الخارج: "يا فلان! ما بالك تجلس كالصنم والعالم حولك قام ولم يقعد؟" أجابه: "ألا ترى أنّني مكبّلٌ ولا أستطيع الحراك!"، نظر إليه الرجل نظرة استغراب وقال: "عافاكَ الله!".
لم يدرِ صاحبنا كيف استطاع أن يتكلّم فجأة، ولكنّه عندما تحسّس فمه وجد بأن قطعة القماش قد توارت وكأنها لم تكن. صاح من شدّة الفرح وأيقن أنّه تحرّر من أوّل عائق أمامه. نظر إلى أصفاده وشعر بالغضب فصرخ بأعلى صوته: "من قيّدني؟ ومن نقلني من سعة الحياة إلى ضيق الزنزانة؟!".
لم يكن قد حاول أن يتحرّك قبل هذه المرّة لأنه كان متيقّناً من أن الأثقال الحديدية ستمنعه من الحراك، ولكنّه قرّر أن يحاول، فلا ضير في المحاولة. رفع رجله ومشى خطوة إلى الأمام، فوجد أن الحركة سهلة، فما الأثقال التي رُبطت به إلّا كرات مجوّفة من الداخل!
نظر حوله فوجد حارساً يحمل المفاتيح. توجّه إليه قائلاً: "أعطني المفاتيح حالاً!" أجابه الحارس: "أنا اسمي: "لا أستطيع"، ولن تستطيع أن تأخذ منّي المفاتيح مهما حاولت"، صرخ الأسير بصوت هزّ زوايا الزنزانة وأوقع الحارس أرضاً: " بل أستطيع!". انتشل المفاتيح من يد الحارس وحاول أن يفكّ قيوده، ولكنّه وجد صعوبة، فجاء حارس آخر وساعده على تحرير نفسه قائلاً: "كنتُ أنتظر أن تطيح بمن سبقني كي أستطيع أن أساعدك، أنا اسمي أمل...".
تخلّص الأسير من قيوده وهو لا يكاد يصدّق خرج من السجن واستطاع لأوّل مرّة أن يكون له دور في الأحداث. أيقظ الغافلين... أزال الغشاوة عن المبصرين... قاد الأجيال الفتيّة... وساهم في صناعة التغيير.
نادى في النّاس علّهم يتّعظون: "لطالما كنتُ أسير أوهامي ومخاوفي، ولطالما حبَسَتْني عن الخروج إليكم ومعاونتكم في إعمار الأرض ورفع الظلم، ولكنّني في اليوم الذي قرّرت فيه أنّني أستطيع وأطحت فيه بشبح "لا أستطيع" شعّ "أمل" في كياني، وساعدني ذاك الأمل على تحرير نفسي نهائيّاً بفضل الله. لا تكونوا رهن اعتقال يأسكم وتذكّروا أن القيود التي تمنعكم من التقدّم هي القيود التي وضعتموها بأنفسكم لأنفسكم..."
استنارت العقول، وتحرّكت القلوب، وتحرّر الأسير تلو الأسير...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن