طبيبة مِخْبرية، حفيدة العالِم المجاهد الشيخ عزّ الدين القسّام رحمه اللَّه | لبنان
مفاهيم خاطئة
إنها الرابعة والنصف عصراً.. أنهيتُ عملي في المستشفى منهكة... واستقلّيت سيارتي وخضت غمار ازدحام شديد للسير.. الجوّ الحار يسيطر على تفاصيل الزمان والمكان.. لأجد نفسي أغرق وأغرق تحت أمواج من السيارات وهي تنهش وقتي وأعصابي.. فأخذت أضغط على زرّ التحكم بالتنبيه الصوتي مطلقة العنان لأصوات عالية اخترقت جدار الملل والانتظار رغم إزعاجها.. على أمل أن تنجلي الغمة ويُفك الحصار وننطلق من جديد.. ولكن للأسف.. أخذ الطريق يئنّ ويئنّ أكثر فأكثر تحت وطأة العجلات الثائرة المحتقنة.. ولمَ كل هذا الازدحام؟!
وإذ بالحقيقة تنجلي شيئاً فشيئاً لتنقشع التساؤلات والظنون.. وتظهر حقيقةُ أرتالٍ من السيارات عند أبواب المحلات التجارية وبائعي اللحوم.. الآن عرفت خفايا الأمر.. نعم.. إنه الاستعداد لشهر الطعام.. عفواً.. قصدت شهر الصيام.. واختلج فؤادي فرحاً بقدوم شهر الرحمة والمغفرة.. شهر العتق من النار.. شهر الصبر والصدقات.. لكنه الفرح الذي تشوبه حسرةٌ ما بعدها حسرة على حال أمّة كانت خير أمّة أُخرجت للناس.. أيُعقل أن يكون استعدادنا لخير الشهور عند الله وعند المسلمين بتحضير ما لذّ وطاب من طعام وشراب؟! أيعقل أن نقضي الساعات في الأسواق وننفق من الأموال الكثير والكثير.. في شهرٍ عظيمٍ جليلٍ أهداه الله سبحانه لكل مسلم ليكون تنقيةً للذنوب وتصفيةً للأرواح وعطفاً على المحتاج من قريب وجارٍ وصديق؟! أليس الفضل أن تتعانق الأفئدة وتتشابك على مائدة القرآن والذكر والقيام؟! أيُعقل أن نحوّله إلى شهرٍ تشوبه الرّذيلة نقضيه على مسلسلاتٍ هابطة تلهينا عن تسبيح وتهليل واستغفار؟! إلى شهر نقضي أوقاته في تصفّح شبكات النت التي نخرت العقول والأفكار.. فأصبحنا كمن يتناول المخدرات والمسكرات؟! أيعقل، ونحن أمة محمد صلى الله عليه وسلّم، أن نجهل فضل هذا الرسول الكريم (شهر رمضان) الذي أرسله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين هدية وهبة ورحمة؟! فهل أكرمْنا هذا الرسول؟؟
إنها ثورة نعلنها ونحن على أبواب شهر الخيرات والإحسان والبرّ، أن لا نخون العهد مع الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام في أحب الشهور إلى الله، وأن نتعاهد أن نصون جوارحنا عن أيّ حرام، وأن نشغل أوقاتنا بقراءة القرآن وتدبّره وحفظه، وأن نستعد لقدوم هذا الضيف المبارك من الآن بطلب السماح ممن أسأنا لهم.. وبردّ المظالم وتسديد الديون، ومحاسبة النفس، وإنهاء الأعمال التي قد تشغلنا عن الطاعات في رمضان.. إنها دعوة لأن يكون هذا الشهر لهذا العام.. شهر الصيام.. وليس شهر الآثام والطعام...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن