باحثة متخصصة في القضية الفلسطينية ورئيسة (ائتلاف المرأة العالمي لنصرة القدس وفلسطين).
حتى لا تنسى الأجيالُ فلسطين
مرّت سنوات على أفراد أمّتنا - رجالاً ونساءً - كانوا يعتبرون فيها ضياع فلسطين كارثة الكوارث، ويتحرقون شوقاً إلى اليوم الذي تُدَقُّ فيه طبول الحرب ليستعيدوا الأرض، ويسترِدّوا الشرف والكرامة!
كان الإعلام في العالم العربي كله يسير في منظومة واحدة؛ فالإذاعة تُصبِّح الناس، وتُمَسّيهم: "أصبح عندي الآن بندقية"، "يا قدس يا زهرة المدائن" و"أجراس العودة".
على المستوى السياسي، كان الزعماء يُلهبون حماس الشعوب حديثاً عن نصر الأمة المرتقَب، والوطن العربى الكبير، فإذا ذكر أحدهم كيان الصهاينة الغاصب، لا يقول عنه إلا "إسرائيل المزعومة"، وقد ذكر الدكتور القرضاوي: "دولة إسرائيل التي ظللنا سنوات عدة نطلق عليها اسم إسرائيل "المزعومة"، ثم خجلنا من أنفسنا حين كانت هذه المزعومة تصول وتجول في كل الجبهات، ولا نملك نحن إلا الشجب والشكوى إلى مجلس الأمن! فحذفنا وصف "المزعومة"، بعد أن أوشكنا أن نكون نحن المزعومين"!
ثم مرّ الزمن، وتوالت الأجيال، حتى جاء جيل لم يعاين الفجيعة بعينه، ولم يذق ألم الكارثة بنفسه، ولم تحدّثه أمه عما جرى وحدث، فهو في حالةٍ أقرب إلى فقدان الذاكرة. فأجيالنا لا تعرف كيف جاء الصهاينة إلى فلسطين، ويجهلون تاريخ جهاد الفلسطينيين المشرِّف في الدفاع عن بلادهم والذَّوْد عن مسرى النبي صلى الله عليه وسلّم، ويحار الواحد منهم في كيفية الرد على من يقولون بتبجّح: أليس من حق الإسرائيليين أن يعيشوا آمنين في بلدهم!
كان من الطبيعي أن تكرس الجهات الرسمية والحكومات كل طاقتها من إعلام وتعليم لتوريث القضية الفلسطينية للأجيال، لكنّ سياسات الدول العربية تباينت واختلفت، ولم يعد أحد يتكلم عن الكيان الصهيوني "الغاصب"، بل صارت إسرائيل "دولة جوار"، نستقبل وزراءها في بلادنا مصافحين معانقين، بكل ود ومحبة!
... وانحصرت أخبار فلسطين في العدوان على غزة، والمباحثات، والتسويات، والمبعوث الأوروبي والأمريكي..
وبعد أن كان حل القضية يتلخص في عبارة واحدة، منقوشة في قلوب أبناء الأمة: "فلسطين من البحر إلى النهر"، لم يعد الشباب اليوم يعرفون حلاً لهذه المعضلة؛ فتجد البعض يرضيه ويسكته أن ترفع إسرائيل الظلم عن الفلسطينيين، وتعاملهم معاملة حسنة كمواطنين، لا غير!
أي أن الصهاينة لو كَفّوا عن هدم البيوت واعتقال الشباب، فَسَيَكون الأمر مرضياً للجميع!
الحقيقة أن شبابنا معذور، فهو لا يعرف مفردات القضية ولا حقيقتها، لكن يؤلمه ما يراه من ظلم، فتثور له مشاعره، ويتمنى لو توقف هذا الأمر فحسْب. لكنه لا يدرك معنى ضياع الأرض، وتدنيس المقدسات، ومعاناة اللاجئين.. انتهاءً بأطماع الصهاينة من النيل إلى الفرات.
لذا صار لزاماً على كل من لا يزال يملك ذاكرة في عقله، وقلباً في صدره ينبض بهمّ الأمّة، أن يعمل بكل ما لديه من قوة، لتظل هذه القضية حية نابضة في قلوب الأجيال.
هذه المهمة تقع على عاتق الجميع، رجالاً ونساءً، لكنّ دور النساء فيها يفوق بكثير دور الرجال؛ فالمرأة هي الأم في البيت، والمعلّمة في المدرسة، وهي القادرة على أن توصل هذه القضية إلى أطفال الأمة في محاضنهم، ليتشربوها ببطء وتلقائية ضمن تفاصيل حياتهم، وهي القادرة على أن تخلط مفردات القضية بلهوهم ولعبهم والقصص التي يحبونها.
فالمسدس في يد الطفل: أنت ستقتل به اليهود، والبطل صلاح الدين هو "أنت"، وتعالي لترسمي صورة قبة الصخرة، وما أجمل أبيات الشعر التي كتبتَها عن جمال وبهاء المسجد الأقصى، وما أحلى الأنشودة في حب أقصانا..
وحين تقوم المرأة العربية والمسلمة بهذه المهمة، فلتضع المرأةَ الفلسطينية المجاهدة نصب عينيها، التي ترضع أبناءها حب تراب الوطن، وحب الشهادة.
نريد أن تتحول كل المناسبات إلى أيامٍ ملتهبة لنصرة فلسطين ونصرة مسرى النبي صلى الله عليه وسلّم؛ ذكرى الإسراء والمعراج، ويوم الأرض، وذكرى وعد بلفور، وذكرى حريق المسجد الأقصى، والانتفاضة الأولى، والثانية..
إن مهمتنا أن نجعل قلوب النشء تهفو إلى المسجد الأقصى وتتحرّق ليوم تحريره. لكنّ أمامنا عملاً كثيراً، فمثقفونا لا يزال يختلط عليهم شكل المسجد الأقصى، ولا يعرفون على وجه الدقة عنه شيئاً؛ فكيف تهفو قلوبنا لشيء لا نعرف له شكلاً محدداً، ولا هيْئَة واضحة؟!
إن يوم المواجهة المسلحة على أسوار القدس آتٍ لا محالة، ينتظره الصادقون ليكونوا في الصفوف الأولى يتطلعون للنصر أو الشهادة، لكنهم أبداً لا ينتظرونه وهم ناعسون وادعون؛ فالنصر لا يتنزّل على الكسالى النيام!
إننا نثق بأن النصر سيأتي، والحق سيعلو، لأننا نصدق النبي صلى الله عليه وسلّم القائل: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهوديّ من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله.. إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود" .
وإلى أن يأتي يوم النصر، فإن مَهمتنا أن ننقش في ذاكرة الأمة، حتى الرُّضَّع في أحضان أمهاتهم، أن لنا أرضاً سليبة اسمها "فلسطين"، وأن أمتنا ستظل ذليلة ما دام مسرى النبي (ص) في يد الصهاينة، يدنسونه ويقتحمونه ويخططون لهدمه.
اللهم أعِنّا على نصرة مسرى نبينا صلى الله عليه وسلّم واغفر لنا تقصيرنا وضعفنا.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة