رد على الاحتلال وليس فقط على ممارساته
يشيع في خطاب فصائل المقاومة في الساحة الفلسطينية مصطلح “الرد الطبيعي على ممارسات الاحتلال”، وذلك في معرض تبرير عمليات الشبان الفلسطينيين (مستقلين أو مؤطرين) ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، لكنه يبدو أكثر وضوحا في خطاب السلطة، ليس في معرض تبرير العمليات، فتلك لا يبررها شيء بحسب خطاب محمود عباس، بل في معرض تبرير ما يسمونه “موجة العنف” الأخيرة أو التي قبلها، مع تحذيرات بائسة من لَون “إشعال حرب دينية” في معرض الحديث عن ممارسات العدو ضد المسجد الأقصى، أو تفجير عنف في كل المنطقة، من باب تكبير التهديد، وجلب العطف والتدخل الدولي، إلى غير ذلك من المصطلحات والتعبيرات التي لا تقول إلا شيئا واحدا، وهو أن المشكلة هي في ممارسات الاحتلال، وليس في أصل وجوده، ولنتحدث هنا عن الشق المتعلق بالقناعات السائدة في حركة فتح وفصائل أخرى، والتي لا ترى الاحتلال إلا لأراضي عام 67، مع أننا إزاء حركة (فتح أعني)، ومنظمة (منظمة التحرير) تأسست من أجل تحرير الأراضي المحتلة عام 48، لأن الباقي لم يكن قد احتل بعد!!
في الحالتين، أعني خطاب بعض فصائل المقاومة، أو خطاب السلطة، ثمة خلل بنيوي غير مقبول، ذلك أن الاحتلال هو أصل المشكلة، سواء كانت ممارساته خشنة أم ناعمة، وسواء مارس الاستيطان والتهويد أم لم يمارس، وسواء وضع الحواجز أم لم يضع، مع العلم أن بالإمكان الحصول على معاملة أفضل من قبل الاحتلال في حال ساد الهدوء، وكف الناس عن أي شكل من اشكال المقاومة، وما رأيناه خلال الأعوام الماضية من إزالة بعض الحواجز، والسماح للناس بالتنقل، وحتى بالصلاة في الأقصى لم يكن إلا نتاج الهدوء الذي منحه عباس للاحتلال عبر تعاون أمني غير مسبوق.
نحن إذا بحاجة ماسّة إلى تصحيح البوصلة في الخطاب، وفي الممارسة في آن، فالمقاومة هي الرد الطبيعي على وجود الاحتلال، بصرف النظر عن ممارساته، وهي يجب أن تستمر وتتصاعد، لا سيما أن كل التعويل على المفاوضات قد انتهى إلى لا شيء، ولا يعقل أن يُمنح عباس ألف عام كي يَمتحِن برنامجه البائس، فضلاً عمّن سيخلفونه، بخاصة بعد أن ثبت للقاصي والداني أن ما يعرضه الاحتلال على الفلسطينيين من خلال المفاوضات لا يمكن أن يقبل به أي أحد، فلماذا المضيّ في برنامج التيه الراهن؟!
اليوم يريد عباس أن ينهي ما يسميه “موجة العنف الراهنة”، ويكفي أن يبدأ جولة مفاوضات جديدة، أو يجري الضغط على نتنياهو من أجل تقليل الاحتكاك في المسجد الأقصى (لن تتوقف الاعتداءات، وأي اعتراف بشرعية زيارة الصهاينة للحرم يجب أن يكون مرفوضاً على كل حال)، وربما تجميد الاستيطان دون إعلان، حتى يعاود عباس هوايته في مطاردة كل شيء له علاقة بالمقاومة، مع أنه ليتوقف عمليًا، لكن الأمر سيتصاعد وصولاً إلى إشراك كل حركة فتح في هذا المضمار، وإذا فعلت، فسيكون بوسعها على الأرجح أن توقف التمرّد الراهن، فهي الحركة التي تمثّل الثقل الموازي لحركة حماس في الساحة الفلسطينية، وحين تقرر الانخراط في برنامج السلطة المتعلق بمطاردة المقاومة، فهذا سيجعل مهمة استمرار الانتفاضة بالغة الصعوبة.
ثمة حاجة والحالة هذه إلى تصحيح الخطاب، وكذلك الممارسة، والأهم من ذلك، أن هناك حاجة لأن يتمرد كثيرون في حركة فتح على خيارات قيادتهم، وينخرطون أكثر فأكثر في برنامج الانتفاضة، وإذا فعلوا ذلك، فإن مهمة تصعيدها ستكون أسهل، تماما كما حصل في انتفاضة الأقصى، حين توحّد الجميع في ميدان المقاومة، فكانت جولة عظيمة ضيّعها التخبط السياسي، ومعه تعاون فريق من فتح، أمسك بالسلطة لاحقا مع المحتلين ومن يدعمونهم.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة