الإفتاء المفتوح وتَتَبُّع الرُّخَص
نحن في عالم مفتوح، وهو كما قيل: قرية صغيرة، من خلال وسائل الاتصال الحديثة من إنترنت وقنوات فضائية، كثر فيها الإفتاء.. فماذا عن الإفتاء المفتوح وتتبع الرخص؟
بداية نقول: إن الإفتاء بغير علم حرام، لأنّه يتضمّن الكذب على اللّه تعالى ورسوله، ويتضمّن إضلال النّاس، وهو من الكبائر، لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (الأعراف: 33)، فقرنه بالفواحش والبغي والشّرك، ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «إنّ اللّه لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتّى إذا لم يبق عالماً اتّخذ النّاس رؤوساً جهّالاً، فسُئلوا، فأفتَوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا» (متفق عليه). من أجل ذلك كثر النّقل عن السّلف إذا سئل أحدهم عمّا لا يعلم أن يقول للسّائل: لا أدري. نُقل ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه والقاسم بن محمّد والشَّعبيّ ومالك وغيرهم، وينبغي للمفتي أن يستعمل ذلك في موضعه ويُعوّد نفسه عليه، ثمّ إنْ فعل المستفتي بناءً على الفتوى أمراً محرّماً أو أدّى العبادة المفروضة على وجه فاسد، حمل المفتي بغير علم إثمه، إن لم يكن المستفتي قصّر في البحث عمّن هو أهل للفُتيا، وإلاّ فالإثم عليهما، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «منَ أفتى بغير علم كان إثمه على مَن أفتاه». وليس للمفتي تتبّع رخص المذاهب، بأن يبحث عن الأسهل من القَوْلين أو الوجهَيْن ويُفتي به، وخاصّةً إن كان يُفتي بذلك مَن يحبّه من صديق أو قريب، ويُفتي بغير ذلك من عداهم، وقد خطّأ العلماء مَن يفعل ذلك، نقله الشّاطبيّ عن الباجيّ والخطّابيّ، ونصّ بعض العلماء، منهم أبو إسحاق المروَزيّ وابن القيّم، على فِسْق مَن يفعل ذلك، لأنّ الرّاجح في نظر المفتي هو في ظنّه حكم اللّه تعالى، فتركه والأخذ بغيره لمجرّد اليسر والسّهولة استهانة بالدّين، شبيه بالانسلاخ منه، ولأنّه شبيه برفع التّكليف بالكلّيّة، إذ الأصل أنّ في التّكليف نوعاً من المشقّة، فإن أخذ في كلّ مسألة بالأخفّ لمجرّد كونه أخفّ، فإنّه ما شاء أن يسقط تكليفاً - من غير ما فيه إجماع - إلاّ أسقطه، فيسقط في الزّكاة مثلاً زكاة مال الصّغير، وزكاة مال التّجارة، وزكاة المال وما شابهها، وزكاة كثير من المعشّرات، ويجيز النّبيذ، ونحو ذلك، وقال الأوزاعيّ: من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة