المرأة الفلسطينية... للوطن الأجمل عنوان
هي تلك السنديانة المتجذرة في أعماق الأرض... إنها شجرة زيتون تنثر أريج عطرها البكر في حنايا الوطن... بينها وبين الأرض قصة عشق ترويها حين تودِعها ثمرات فؤادها وتتابع سيرها بمضاء عزيمة وقوّة جَنان وثبات خطى إلى حيث قدر الله... هي اللوحة المنسوجة بقسَمات الوطن: أرضه وسمائه، جباله وبحاره وأنهاره، أشجاره وثماره وأزهاره، مدنه وقراه وحاراته...
إنها المرأة الفلسطينية المسكونة بتفاصيل قضية بذلت لها من دمها وأنفاسها وجهدها وكَدّها وحريتها وحبات قلبها الكثير الكثير؛ إذ فهمت أن الحياة لا معنى لها ولا طعم إن لم تكن الكرامة تاجها والعزّ لباسها والحرية عنوانها... وإن لم يكن للإيمان منها مقام القلب والروح من الجسد.
ولقد علّمتنا دروس التاريخ أنّ الذي يريد أن يحيا حياة الأحرار لا بدّ أن يدفع الثمن...
ولقد كانت المرأة الفلسطينية على قدر ذلك الثمن لمّا دفعته مرات ومرات...
دفعته حينما سهرت على تربية أبنائها وبناتها ليكونوا أعمدة هذا الوطن، في الوقت الذي غاب فيه السَّند في ساحات الجهاد، أو غُيِّب في أقبية الزنازين، فكانت الأب والأم والمربي والصديق والمُعيل لأبنائها... صبرت واحتسبت وهي تُمنّي النفس بأيام يكبر فيها الأبناء ليستكملوا معها المهمة الصعبة، فإذا بها تقدمهم الواحد تلو الآخر: أسيراً وشهيداً وطريداً...
دفعته حينما شاركت شقيقها الرجل التصدي للمحتل، فكان لها نصيبها من الجهاد، وهو شرفها وعزّها، والاستشهاد والأسر... وما أدراكم كيف كانت حكاية الأسيرات في سجون الاحتلال: تعذيب وتجويع وإذلال... وتهديد على مدار الساعة...
دفعته حينما تجرعت آلام التهجير والتشريد داخل وخارج حدود الوطن... حيث للمعاناة في بلاد اللجوء أشكال وألوان لا يقدّرها حق قدرها إلا من عاشها يوماً بيوم ولحظة بلحظة... فقد كان للاّجئة الفلسطينية في الشتات - خارج فلسطين خاصة - حصتها من الهَم: حرمان من حقوقها الإنسانية كافة بحُجة حرص هذه البلدان على عودة الفلسطينيين إلى ديارهم!!
فيا مَن تنادون بحرية المرأة وتدافعون عن حقوقها وتخصصون لها يوماً عالمياً من كل عام تكريماً لجهودها وتكريساً لدورها الذي لا يقل أهمية عن دور شقيقها الرجل... أفلا تدخل النساء المعذبات المضطهدات مسلوبات الحقوق - في أماكن الصراع وميادين المعارك كفلسطين وغيرها - ضمن حساباتكم؟
لو كنتم صادقين حقاً في دعاواكم، لكنتم ساويتم في الاهتمام والحرص بين جميع نساء الأرض لا بين النساء والرجال وقد عدل الله بينهما وكفى! ولكنتم أخذتم لها حقوقها من المحتل الذي سلبها أرضها، والسجّان الذي عذبها، والمعتدي الذي ظلمها... ولكن ما نفعل مع نظام عالميٍّ يعاني من ازدواجية المعايير وينطلق من قاعدة المصالح والحسابات السياسية التي لا تُقيم للبُعد الإنساني ولا لمنظومة القيم الأخلاقية أي وزن؟! فلله الحمد الذي علّم المسلمين قيمة كبرى اسمها العدل: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}.
فيا أيتها الصخرة الشمّاء أقول لك: صحيح أن العاقل لا يتمنى نقصان الأنفس والأموال... ولا يطلب عَيش المعذبّين، ولكن والله إن الحياة من أجل هدف وقضية لهي الحياة الحقيقية... وهي تحتاج إلى قلوب كبيرة، ونفوس لا ترضى ما دون المعالي... وإنك أيتها المرأة الفلسطينية أهل لذلك، فاثبتي واصبري، ولا تنتظري غير رحمة الله وفضله ومدده، وثقي بعد الله بقدرتك على مواجهة التحديات التي أعطيت فيها دروساً وأمثلة، ولا تنسينّك المعاناة عِظَم المسؤولية...
ويا كل النساء: ليست المرأة الفلسطينية وحدها مَن تتحمل واجب الثبات والدفاع عن الأرض، ومِن الظلم أن نتركها وحيدة وسائر الفلسطينيين لمصيرهم وكأن الأمر لا يعنينا، وكأن الأرض تخصّهم وحدهم دون المسلمين... ومن الظلم أن تعيش مسلمات في مخيمات اللاجئين على مقربة منا ونحن نعلم مقدار معاناتهن بسبب السياسات الظالمة بحقهن وسائر الفلسطينيين في لبنان... ثم لا نحرّك ساكناً!
ويا صاحب كل موقع ومسؤولية: يكفي المرأة الفلسطينية ظلم اليهود... فلا نكون واليهود عليها، ولنمد لأخواتنا يد العون والمساعدة بأشكالها كافة؛ في الداخل: حتى يستطعن القيام بما هو واجب علينا جميعاً: جهاد اليهود وأعوانهم... وفي المخيمات: حتى تعيش حياة كريمة تليق بأبناء الأمة الإسلامية... وأيضاً حتى تتمكّن من تنشئة أبنائها على تعلّق القلب بوجوب استعادة فلسطين... ذلك الوطن الأجمل بين الأوطان .
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة