داعية ومربية وعضو رابط الأدب الإسلامي العالمية. عمان - الأردن
لا خاب من استخار
لعلّ أحلام الشباب المحلقة كانت ولا زالت تحلق حول الزواج محددة سمات النصف الآخر، وقد كنت أشترط في زوج المستقبل ثلاث سمات لا تقبل التفاوض، أولها أن يكون صاحب فكر إسلامي، وهذا يعني أكثر من مجرد تدين، إذ كان للمعارك الفكرية صولات وجولات، وكنت لا أتنازل أبداً عن فكري الإسلامي فالزواج بالنسبة لي ما هو إلا تتويج لعلاقة تبدأ في الدنيا وتنتهي - كما أرجو - في جنة عرضها السموات والأرض، وهذا يعني لي أن بناء بيت بلا فكر يشبه بناء سفينة بلا أشرعة تقيها من هبات عواصف مجنونة.. وأن تأسيس أسرة بلا مبادئ بأحسن أحوالها إنما يشبه تأسيس ناطحة سحاب بلا أعمدة... لذا كنت أرى أن من سيربطني به ميثاق غليظ لا بد وأن يكون مثقفاً ثقافة عالية، إضافة إلى شرطَيْ الأساس اللذين أرشدنا لهما رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه»، وكم وقفت أمام هذا الحديث العظيم متأملة، فكم من أناس زوجوا بناتهم لمن هم أقرب إلى «الدراويش» منهم إلى أصحاب الدين ذوي المكانة العلمية والفكرية، وكنت أخشى على نفسي من مغبّة مثل هذا الزواج، فعاداتنا لم تكن تسمح لنا بالتبسط في وصف فتى الأحلام.. فهذا يتعارض مع الحياء!
ربما كانوا على صواب، ولم أكن لأجرؤ على معارضة الأهل فيما هو أخص خصوصيّاتي، فاتفقت معهم على أمر ألا وهو إحياء سنة الاستخارة فتم لي ذلك ولله الحمد.
وكانت المفاجأة أن تقدم لخطبتي شاب يحمل جميع الصفات التي كنت أحلم بها، وأكثر من ذلك أنه كان يحمل شهادة عليا في الهندسة الزراعية، ولعلّ حقل الزراعة هذا هو أحب الحقول إليّ لما فيه من البهاء والعطاء والجمال والتفكر والهدوء. لعل الظروف جميعها كانت في غاية الروعة ولكن القرار الفيصل توقف على أمر الاستخارة؛ إذ كان صدري ينقبض كلما كررت ركعتي سنة الاستخارة.
وماذا عساي أن أفعل إزاء نتيجة صلاتي التي لا تتناسب مع كل المعطيات المرئية والمحسوسة الواقعة بين يدي لعل الله سبحانه وتعالى؟! «يريد لك يا بُنيَّتي أمراً آخر، فاسأليه أن يهيء لك من أمرك رشداً»، هكذا قالت لي إحدى قريباتي المقربات.
وبعد اتخاذي لقراري الجريء بالرفض الذي لا يقبل الجدال بأشهر قليلة، فتحت جريدة الصباح وقرأت نعي الشاب الذي رفضته لسبب لم أدرك كنهه إلا لحظة قراءتي لخبر تدهور سيارة متجهة نحو أراضي الغور الزراعية والتي ذهب ضحيتها فلان وفلان... ألا رحمة الله عليه وعلى موتانا وموتى المسلمين... ألا ما أوسع رحمة ربي، فله الحمد حتى يرضى...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة