يوم عرفة لمن عَرَفَه...!
إن لله أياماً مباركات، تزداد فيها الحسنات، وتُغفر فيها الزّلات. ومن تلك الأيام يوم عرفة.
ها هو القلب يتنفس من نفحاته بعدما كان للهوى أسيراً وبالذنوب عليلاً.
فإلى من أراد الفوز بعرفة وعزم أن يغترفه، أقدِّم بين يديه هذه التساؤلات لتنير له العقل وتدله على الدرب. قال يحيى بن معاذ: «القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها. فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه حلواً وحامضاً وعذباً وأُجاجاً وغير ذلك، ويبيِّن لك طعمَ قلبه اغترافُ لسانه».
فهل تغلي القلوب في عرفة؟ أم أن البرود يعتريها؟ وما يُلهب القلب في عرفة؟ هل هي ثياب العيد والتسوق طيلة اليوم والزيارات واللقاءات والتخطيط لمشاريع العيد وانتظاره لنفعل ما نريد؟؟
أم أن القلب يغلي لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خيـرٍ يعمله في عَشْر الأضحى». قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجـلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» (رواه الدارِمي بسند حسن). وهل يُعقل أن لا تلتهب قدور عرفة وهي قلوب سمعت وعقلت وأيقنت قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثرَ من أن يُعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة» (رواه مسلم).
بل وهل يليق أن لا تتبخر القلوب إلى مولاها وخالقها جل وعلا وهو يباهي بأهلها -أي أهل عرفات - أهلَ السماء؟
بل بالله عليكم ألم يَأْنِ للقلوب أن تحترق بالدعاء في يوم عرفة وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة»؟ رواه الترمذي.
وبقي سؤال يدور في البال: هل ألسنتنا تغترف في عرفة من حلاوة الذكر؟ أم أن القلوب قدور صدئت فلم تُبقِ لحلاوة الذكر مكاناً على اللسان؟
قدور عرفة متنوعة ومتعددة، من تهليل وتكبير وصيام ودعاء، لتغترف منها القلوب حلاوة الإيمان ولذة القرب من الرحمن في يومٍ هو أفضل الأيام.
فيوم عرفة يغير طعم القلوب من مرارة مأزور إلى حلاوة مأجور.
إنه يوم عرفة، يوم تذبح فيه القلوب الهوى وإن لم تكن بِمِنى.
إنه يوم كسوة الكعبة، فإن لم نشاهدها بالعين فلنشهدْ على الأقل كسوة اللسان بالذكر المستدام.
وإن لم نلتق في جبل عرفة فعسى أن نلتقي بدعوة في ظهر الغيب منصرفة..
وأخيراً لِنُحـرَِّكْ عدسات القلوب لتبصرَ من مشهد عرفة المشهد المصغَّر ليوم الوعيد والعِدَة!!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن