البحيرة الساكنة
كانت في حياتها المترفة اللاهية لا تحسب حساباً لشيء؛ فقد أغدق الله عليها نعمه.. وحفّتها آلاؤه.. كانت تجد دائماً ما تتمناه.. فقد حباها الله بالمال والجمال... والصحة والشباب.. والزوج والأولاد.. والسعادة أيضاً..
لم تكن تعرف من دينها إلا الفروض الخمسة.. تؤديها على عجل.. وتنهيها بملل.. شأن من يقوم بواجب ثقيل.. وأما رمضان فتصومه بقلب خاوٍ.. وروحٍ ميتة.. لا تعرف لا معنىً ولا تذوق له طعماً.. لم يخطر ببالها يوماً أن تقف بين يدي ربها وقفة حب أو شكر أو إجلال.. لم تجرِب من قبل أن تبذل شيئاً مما حباها الله به من أموال.. لم تحاول أن تتذوّق يوماً طعم الأشواق المرفرفة للروح حين تناجي الله أو تستمع لكلامه.. فقد أطغتها المادة.. وملأ الترف روحها قسوةً وجموداً.. وباختصار لم تكن تحرِك شيئاً في بحيرة قلبها الساكنة..
وذات يوم أصابتها نائبة من نوائب الدهر المفجعة.. فسقطت طريحة الفراش بعد حادث أليم.. هزَ كيانها هزاً.. عندها أصبحت دائمة الجزع.. دائمة البكاء.. دائمة الدعاء.. عند ذاك دعت الله – مخلصةً له الدين – لئن شفاها وعافاها لتقومنَ بين يديه لا تفتر.. لئن شفاها وعافاها لتخرجنَ من مالها كلِه للفقراء والمساكين.. لئن شفاها وعافاها لتصومنَ الدهر كله.. دعت.. ودعت.. ودعت..
وفي ذات ليلة رأت نفسها في بحر عميق متلاطم الموج تصارع في ظلمة الليل البهيم أمواجاً كالجبال.. وتجاهد وتستميت كي لا تطويها الأعماق.. عند ذاك سمعت صوتاً من السماء يصيح:"تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة!! أين كنت فيما مضى؟! السماء: لم يصعد إليها يوماً منك دعاء!! والأرض: لم تسمع يوماً منك بكاء!!". صاحت في فزع.. وارتجفت بقوة.. فطوتها الأمواج وابتلعتها.
استيقظت من نومها فزعة.. واجفة القلب لاهثة الروح.. وانخرطت في بكاء طويل ولسانها لا يكفّ ولا يفتر: يا رب.. يا رب.. قد كنت غافلة.. يا رب كم كنت جاهلة؟! يا إلهي.. ما أشد بعدي عنك.. ما أشد جهلي بك.. ما كنت إلا في غرور...
عندها... عرفت أنّ ما يحفّها من النعيم كان سراباً.. عندها.. حجزت مقعداً في قطار المستغفرين.. فلم يفتر لسانها يوماً عن التوبة والاستغفار والأنين..
أيتها الحبيبة...
لا تكوني ممن يحتاج إلى كارثةﹴ مدمِرة كي تفيقي من غفلتك.. اعرفي الله في الرخاء.. اعرفيه في أيام الراحة والسعادة.. اعرفيه باستغفار مخبثٍ باكٍ.. تذكَريه بركعتين خاشعتين.. سبِحي بحمده مع السموات والأرض ومن فيهنّ.. اذكريه حقَ ذكره.. اشكريه حقَ شكره.. وإياك فإن ضريبة الغفلة عنه – جلَ جلاله – باهظة...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة