منبر الداعيات تحاورالمدرِّب عبيد سليمان حول مشروع صناعة الحضارة
الحضارة... مصطلح يعبر عن نمط حياة الإنسان وإسهاماته ومحاولاته لتطويرها حتى يستقيم العيش على هذه الأرض. غير أن الذي يريد أن يعرف كيف تُصنَع الحضارة فليرجع إلى كتاب الله عز وجل فبين دفتيه دليل بناء الحضارات وكذلك دلائل هدمها، وليرجع إلى سُنة رسولنا صلى الله عليه وسلم ففي تفاصيلها معالم حضارة مشرقة أضاء شعاعها الشرق والغرب قروناً.
وبالنظر لخطورة موضوع الحضارة وأهميته في استعادة الدور القيادي العالمي للأمة الإسلامية، تخصص مجلتكم منبر الداعيات في عامها الهجري المقبل 1433هـ سلسلة تُعنى بصناعة الحضارة يحررها المدرِّب الأستاذ عبيد سليمان الذي نستضيفه في هذا العدد ليحدثنا عن هذه السلسلة وعن الجديد الذي سيقدمه لقارئات وقراء المجلة من خلالها.
والمدرِّب الأستاذ عبيد بن سليمان الجعيدي:
* من مواليد: دبي 10/ 12/ 1974.
* بكالوريوس من جامعة الإمارات - كلية العلوم الإنسانية 1999.
* رئيس مجلس إدارة شركة رباط للإعلام - دولة الإمارات.
* عضو محترف في الجمعية الأمريكية للتدريب والتنمية ASTD وأيضاً في ILA و SHRM
* مدرب معتمد من الأكاديمية الأمريكية للتدريب IAATD في نيويورك.
* مُعِدّ ومقدم دورات تدريبية في التنمية البشرية منذ عام 1999.أما الآن فإلى الحوار:
1. «منبر الداعيات»: كيف تُصنع الحضارات؟ وما مقوِّمات ذلك؟ سواء بحسب التجربة الإنسانية أو بحسب المفهوم القرآني.
* عندما نذكر الحضارة أو الانسان المتحضّر فإننا نتحدث عن ذلك المجتمع الذي يتمتع أفراده بسلوكيات إنسانية راقية تظهر لمساتها في البيئة المحيطة، لذلك فإن من أهم المقومات (الأمور التي تنشئ الحضارة) هي: وجود فكر صحيح (إيماني وتشريعي وأخلاقي وعملي وجماعي) بالإضافة إلى مجموعة تتبنى ذلك الفكر ثم تترجمه إلى واقع.
- سؤال إجابته معروفة: لماذا خلقنا المولى عز وجل؟ الجواب: لنعبده (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ).
- سؤال إجابته مهمة: ولماذا خلقنا في الأرض؟ الجواب: لنعمّرها (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)؛ وهي الحضارة التي نَنْشُدها. إذن فإقامة الحضارة وعمران الأرض هما من واجبات هذا الدين.
2. «منبر الداعيات»: ما الجديد الذي ستقدمه هذه السلسلة؟
* من خلال متابعاتي للكثير من الأطروحات في الحضارة؛ مكتوبةً أو مشاهَدةً، وجدت أنّ أغلبها لا يخاطب شريحةَ العامةِ (ولا كِتابَ منها يناسب أُمي!) ربما بسببين: إما أنه فكر متقدم يناسب المثقفين، أو طرح نظري مثالي غير عملي، بينما الذي سأقدمه هو: فكر ميسّر مستنِد إلى قواعد أصيلة مدعوم بـ (آليات عَمَلٍ) عبارة عن مقترحات كثيرة ومهام مباشرة.
3. «منبر الـداعيات»: وما إسهاماتكم في هذا المجال؟ وما الدور المرتَقب لكم فيه؟
l كان ولا يزال همي الأكبر هو صناعة الإنـسان المتحضر قـبل صناعة الحضارة؛ لذلك كانت دوراتي التدريبية ومشاركاتي الإعلامية وأيضاً شركاتي الثلاث تخدم هذا المجال. وبحول الله تعالى أنا بصدد إعداد منظومة متكاملة في خدمة الحضارة تتكوّن من مجموعة من مؤلفات؛ منها كتابي الأول في صناعة الحضارة «قيادة الحياة»، ترافقه برامج تلفزيونية في هذا المجال، مع نظام إلكتروني للتواصل يوجِد التنافس الحضاري بين مختلف الفئات والمجتمعات، مع شراكة مع أشهر المؤثِّرين في هذا المجال في العالم... كل هذا مع تطويع أحدث المعارف العلمية والفكر الإداري والتجارِب الإنسانية الرائدة كاليابانية والألمانية والتركية والأمريكية وغيرها مما لا يتعارض في منجزاته ومظاهره وآلياته مع ديننا الحنيف.
4. «منبر الداعيات»: هل سلسلة (صناعة الحضارة) هي رؤية نظرية فقط أم ستقدم برنامجاً تطبيقياً؟ وهل تقوم بذلك منفرداً أم من خلال مؤسسة وفريق عمل؟
* البرنامج التطبيقي المرافق لحلقات المجلة يعتمد أساساً على الرؤية الإستراتيجية المطلوب الوصول إليها، وهي تحتاج إلى أمة من الناس من كل منطقة تتبنى مسؤولية التطبيق، وسوف أطرح في كل حلقة محوراً من المحاور الـ 18 للحضارة، وأقدّم على ذلك عدداً من المقترحات العملية والخطوات المباشرة مع نظام للتقويم المستمر.
5. «منبر الداعيات»: هل من محاولات مؤسسية جادة قائمة حالياً في الوطن الإسلامي في مجال نهضة الأمة وتغيير واقعها وصناعة حضارتها؟
* المحاولات المؤسساتية الجادة كثيرة، نطاق بعضها محلي، والبعض الآخر إقليمي؛ وآخرها (مشروع رياح التغيير) للدكتور طارق سويدان الذي طرحه في رمضان المنصرم على حلقات على قناة الرسالة، وهناك جهود فردية من أحمد الشقيري مثلاً في برنامجه «خواطر» والدكتور علي العمري في برنامج «مذكرات سائح»، وهذه البرامج مع تنوعها وقصور بعضها في الإحاطة الشاملة لمحاور الحضارة إلا أنها تغطي جوانب مهمة في صناعة الحضارة.
6. «مـــــنبر الداعيات»: مراحل صناعة الحضارة هل تتشابه بين بيئة وأخرى؟ وما الفترة الزمنية التي تتطلبها هذه العملية؟
* أرى بأن هناك 3 مراحل رئيسة في صناعة الحضارة يتفرع منها 18 محوراً، والمراحل مع محاورها هي:
أ. قيادة الحياة: وهي التحكم بالحياة وتوجيهها لتحقيق الكفاية في جوانبها الخمس الأساسية: (الجانب الإيماني - الثقافي - الصحي - الاجتماعي - المهني) وغالباً يحتاج الإنسان من سنة إلى اثنتين ليتمكن منها.
ب. قيادة التغيير: وفيها يسعى إلى تغيير خمسة أمور أساسة: (تغيير القناعات - الأهداف - القدوات - العلاقات - المهارات) وهذه تحتاج من 2-3 سنوات ليُحدِث التغيير الجذري في حياته.
ج. قيادة الحضارة: وفيها يحقق المعيار العالي في أركان الحضارة الثمانية وهي: (البعد الروحي - الأخلاق الإنسانية - العلم والتكنولوجيا - القيم السامية - القوة الاقتصادية - القيادة الراشدة - الأدب والفن الهادف - الآداب الرفيعة) ويفترض أن تَشغل هذه باقي حياة الإنسان وتظهَر فيها إنجازات مستمرة.
وهذه المحاور هي ضرورات كل مجتمع وليست حكراً على مجتمع دون غيره.
7. «منبر الداعيات»: هل بمقدور كل إنسان أن يُسهم في عملية صناعة الحضارة؟ وما المقومات الشخصية التي لا بد من امتلاكها حتى يتمكن من ذلك؟
* مشروع صناعة الحضارة هذا يُصاغ على إمكانات كل فرد، بالإضافة إلى أنها جزء من الدين الحنيف؛ فالمرحلة الأولى ضرورة لكل البشر، وكلما اقترب الإنسان من المرحلة الثانية والثالثة تطلب مؤهلات أعلى مثل الدراية المعرفية والهمة العالية، وأحياناً إلى ميزانية مالية وهامش كافٍ من الوقت.
8. «منبر الداعيات»: ما مدى تأثير ما اعتاد عليه الناس في حياتهم اليومية في مختلف نواحيها على عملية التغيير؟
* إن ما تعوّد عليه الناس يؤثر سلباً أو إيجاباً على عملية التغيير، فالتغيير أساساً ينبني على معرفة الواقع وتحديد الهدف ثم رسم الطريق المؤدي من الواقع إلى الهدف مع مقاومة معوِّقات التحرك، ومن خلال مشاهدة حاضر الناس فإنهم يجهلون تحديد أهدافهم في الحياة فضلاً عن معرفتهم بأهداف الحضارة.
9. «منبر الداعيات»: ما معوِّقات التقدم على طريق صناعة الحضارة؟
* هناك معوِّقات على المستويَيْن الفردي والمؤسسي، وسأقتصر هنا على الفردي:
- عدم إدراك أهمية صناعة الحضارة: وهذه تُزال عن طريق الإيمان بعِظَم الأجر والفائدة في الدنيا والآخرة.
- عدم وجود الهدف أو عدم وضوحه: وتُزال عن طريق معرفة الفجوة (الفرق بين الطموح والواقع).
- الجهل بمتطلبات الطريق: وتُزال بالمعرفة ومشاهدة التجارب ومخالطة الخبراء.
- صعوبة التحرك نحو الهدف: تحتاج إلى إرادة قوية وعزيمة صادقة، ثم التدريب المستمر لكل محور.
10. «منبر الداعيات»: كيف تنهار الحضارات؟ وما المؤشرات التي تنبئ بذلك؟
* تحدّث الكثير من المنظِّرين عن مسألة انهيار الحضارات وعن واقع أمتنا الإسلامية الآن... وما نراه هو: أن الحضارات تولد بفكرة ومبدأ، ثم تتبناها جماعة تجتهد لنشر ذلك الفكر فينتشر، وبعد فترة يختفي الأبطال الحقيقيون ويتولى زمام الصدارة مَن هم ليسوا بأهلٍ لها فيحدث التراخي عن العمل الجاد إلى حد الانفصال عن المبدأ، عندها تصبح الحضارة مريضة وبعدها إما أن تزول بتدخل خارجي ذي مبدأ قويّ أو أن تُرزق بمن يجدد لها حضارتها، والوصف الدقيق لأمتنا اليوم هو أننا أمة مريضة مرضاً مستفحلاً تنتظر مَن يجدد لها نضارتها وعافيتها ودورها الرياديّ.
11. «منبر الداعيات»: من خلال خبرتكم في هذا المجال: ما أبرز التوصيات التي تقدمها للمسلمين عامة ولقراء وقارئات منبر الداعيات ليكونوا أحد العناصر الهامة التي تكوّن الحضارة المرتقبة؟
* سوف نقدم لكم خطة شاملة لصناعة الحضارة على عدد كبير من الحلقات التي تتناول المحاور الـ 18، ونقترح عليكم تشكيل مجموعات حضارية ونحفِّزكم لتنفيذ المشاريع والمنافسة عليها، لذلك سوف ننشئ نظاماً للتنافس الحضاري لاختيار المجموعات الفضلى لنيل الجوائز وهذا ما نأمله من قراء منبر الداعيات.
***
في الختام، نشكر ضيفنا الأخ الكريم عبيد سليمان، ونسأل الله تبارك وتعالى أن تكون إرهاصات إعادة هيكلة الحضارة من جديد قد بدأت مع الثورات التي أشعل جذوتها الشباب، على أمل أن يأخذ كل مسلم دوره ليكون مشاركاً في صناعة هذه الحضارة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن