حوار مع الداعية الشبابية د.سناء عابد حول مؤهلات الداعية المعاصرة
على هامش المؤتمر الذي نظّمه قسم الطالبات في المنتدى الطلابي - القطاع الشبابي في جمعية الاتحاد الإسلامي -، وكان بعنوان «عيشيها بمسؤولية» بتاريخ 10 جمادى الآخرة 1433 هـ = 1 أيار 2012م.. التقت مجلة منبر الداعيات بالداعية الشبابية ضيفة المؤتمر د. سناء عابد، وأجرت معها حواراً شائقاً قدّمت فيه مجموعة من النصائح والتوجيهات والإرشادات لكل من سلكت طريق الدعوة إلى الله عزّ وجل..
فإلى الحوار ..
1. «منبر الداعيات»: ما هي الصفات التي تُميّز المرأة الداعية عن غيرها من النساء؟
- هناك صفات عديدة تميّز المرأة الداعية عن غيرها، أهمها:
العلم، فبالعلم وحده تبلّغ الداعية رسالتها على بصيرة، وبالحكمة، وبالموعظة الحسنة. وهذا يتطلب منها حسن الصلة بالله تعالى والدعاء بأن يُؤتيها عز وجل الحكمة، لأن الحكمة لا تكون بالاجتهاد، وإنما هي عطية من الله تعالى، ومَن أوتيَ الحكمة فقد أوتيَ خيراً كثيراً. يلي العلمَ الصبرُ على المدعوات. ثم تأتي الأمانة في التبليغ وفي سائر العمل. وأخيراً حب الآخرين، قال ربنا عز وجل لسيدنا محمد [: {فلعلكَ باخعٌ نفسَك على آثارهم}؛ إذ كادت نفسُه [ تذهب حسراتٍ على قومه، فكان هذا الحب يَصِلُ إليهم خلال دعوته لهم فيدخلون في الدين ويُقبِلونَ عليه.
2. «منبر الداعيات»: التميّز والتفوّق مطلب الصالحين، فما هي النصائح التي توجهينها لمن تريد أن تتميّز في مجال دعوتها دون التقصير بواجباتها؟
- أدعوها أولاً أن تلتزم الدعاء بصدق وحرارة أن يسخّر الله تعالى لها أسباب العمل والتميّز فيه بعد التوفيق، وهذا هو السلاح الأول. أما السلاح الثاني فهو بذل الجهد والعمل بحسب الأولويات. وأخيراً تنظيم الأوقات. وبالنسبة للنقطة الأخيرة، على الداعية أن يكون عندها جدولها السنوي، والشهري، واليومي، على مدار السنة، فإذا ما أتقنت ترتيب جدولها يتعذّر عليها قَبول الأنشطة الفجائية التي قد تطرأ عليها فضلاً عن تنفيذها كي لا تقصّر في مسؤوليّاتها باعتبارها زوجة أو أُم أو طالبة. وهنا علينا التمييز بين إهمال الداعية لمسؤولياتها في حياتها الخاصة وبين عدم حصول التوفيق فيما سعت لإنجازه في عائلتها، حيث يخطئ الناس في تقويم الداعية ويحكمون على عملها ودعوتها بالفشل يلومونها، خاصة إذا ما رأوا أحد أفراد عائلتها - كابنها أو بنتها أو زوجها... - قد اختار طريق أهل الدنيا بدلاً من الالتزام بهدى الله تعالى. وهذه مشكلة حقيقية فيها ظلم للداعية، مع أن حلّها بسيط ومتوفّر وهو الرجوع للقرآن الكريم، حيث نقرأ قصة نوح، وقصة إبراهيم، وقصة لوط، فنتعلّم أنّ الزوجة أو الولد أو الأب... قد يضلّون رغم وجود نبي الله تعالى بينهم. ولذلك أنصح بناتي وأخواتي في الله دائماً بعدم الحكم على الداعية من خلال أفراد عائلته، وإنما من خلال سلوكه الشخصي. فلْنَتذكّر دائماً: {إنك لا تهدي مَن أحببت ولكن الله يهدي مَن يشاء}، وهذه قاعدة يجب أن تُنشر بين الناس ويفهموها.
3. «منبر الداعيات»: ما أبرز التّحدّيات التي قد تواجه الداعية في مسيرة دعوتها؟ وكيف تتخطاها؟
- باعتقادي لا يوجد تَحَدٍّ يقف أمام الداعية أكبر من نفسها! فإذا صدقت رغبة الداعية في طاعة الله عز وجلّ وتبليغ دعوته، وتسلّحت بالإصرار على موقفها المُحِقّ، وأجهدت فكرها واجتهدت لتذليل العقبات وإيجاد الحلول، فلن يستطيع أحد أن يُسكتها أو يكتم إيمانها. ويعجبني في هذا الموضوع مثالاً ذكَرهُ (الأستاذ ميسرة طاهر) في آخر محاضرة سمعتها منه حيث قال: كن كالماء، الذي إذا اعترضته صخرة انسلّ يميناً أو يساراً وتابع تدفّقه، ولا يقف وينتظر مجيء الشمس فتبخرّه ليصبح سحابةً تمطر في مكان آخر!! إذن، لا الزوج ولا الأم ولا الأب ولا الظروف الاجتماعية ولا أحد في الدنيا يستطيع أن يُعيق عملك باعتبارك داعية ما دمتِ مستعينةً بالله، متوكلة عليه، واثقة به تعالى.. كلها عقبات تزول بقدرة الله.
4. «منبر الداعيات»: برأيك، أمام ثورات الربيع العربي: ما مسؤولية الدعاة بشكل عام والمرأة بشكل خاص تجاهها؟
- العناصر الشابة دائماً هي الحقل الحقيقي الذي يُستَثمر فيه. والشباب الآن قد أدركوا قُدُراتهم وقيمة وجودهم، وعلينا نحن أن نعلم أن هؤلاء الشباب وسط هذا الخضمّ ينتظرون منا تغيير أنفسنا ثم مجتمعنا ثم العالم للأفضل، لاسيما وقد ثبت عالمياً أن عندنا القدرة، إذاً الآن وقت الاستثمار.
فالمطلوب حالياً من الحركات الإسلامية برجالها ونسائها معرفة قيمة هؤلاء الشباب واحتواؤهم وتوجيههم وترشيدهم والانتباه المضاعَف لهم ودعمهم في الاتجاه الصحيح، لأنهم لو تُرِكوا دون توجيه - خاصة بعد ثقتهم بقدراتهم - قد يقلبون الدنيا رأساً على عقب; فنحن مسؤوليتنا كبيرة.
5. «منبر الداعيات»: بعض المجتمعات الإسلامية تعاني من نقص أو ضعف في الكوادر العاملة في الحقل الدعوي لاسيما في الصفوف النسائية؛ فما هي الوسائل التي تُعين على إعداد وتكوين جيل من الدعاة والداعيات ذوي الكفايات العالية والمستوى المطلوب في العلم والعمل وحمل همّ نشر هذا الدين وتبليغه؟
- الجهل أكبر سبب من أسباب نقص الكوادر. كثير من الناس عندنا مُعرضون عن الجمعيات الخيرية أو عن الاتجاه الدعوي لأنهم لا يعرفون أهمية العمل وعِظَم ما تركوه. ومسؤوليتنا تكمن في اختراق تلك الأوساط المُعرِضة عن العمل الدعوي والجري وراء أفرادها لإيصال شعاع الهداية لهم، فالنبي [ ما كان يجلس في منزله وينتظر مجيء الناس إليه، وإنما كان يتصدى لهم فيخرج إليهم أيام الحج مثلاً ليَعرِض عليهم دعوته. أما نحن فمنغلقون على أنفسنا وندعو بعضنا البعض، ندعو مَن يفهمون الإسلام بدلاً من دعوة التائهين في ظلام الضلال.
أما عن سبب إعراض الكثير من الناس عن ميدان الدعوة إلى الله تعالى، فيحمل المسؤولية أولاً الإعلام، يليه التصرفات الخاطئة التي قد تبدر من البعض بدءاً من التشدد أو عدم التكيُّف مع الواقع، ووصولاً إلى العنف.
6. «منبر الداعيات»: ولكن ما السبيل إلى تغيير هذه النظرة الخاطئة؟
- صراحة أقول: إن وقت الأزمات هو أفضل وقت لتغيير نظرة المُعرِضين عن الدعوة إلى الله تعالى. إن وقوف الجمعيات مع النازحين والمساكين والمحتاجين على صعيد الفرد أو المجتمع هو الذي يجعلهم يشعرون بصدقك وبأهمية عملك ويغيّر نظرتهم تجاهك. ولكن مد يد العون لهم بطريقة فردية لن يُؤتي أُكُلَه كما يجب، وهنا تكمن أهمية العمل الجماعي، فيد الله مع الجماعة، والعمل الفردي يبقى مبتوراً ناقصاً بينما العمل الجماعي يجمّع الطاقات ويستغلّها في مكانها المناسب على أتم وجه. لنَتَذَكّرْ دائماً أن مَن يعمل وحده يحدّ من استغلال طاقاته ويمنع غيره من الاستفادة من الخير الذي وهبه الله إياه.
7. «منبر الداعيات»: ما أثر العولمة والانفتاح العالمي والطَّفرة التكنولوجية على واقع الدعوة وعمل الدعاة والداعيات؟ وما وسائل التصدي لسلبياتها؟
- كل شيء في الدنيا سلاح ذو حدين، والعولمة على سوئها لها منافع تكمن في الانفتاح والاتصال، الأمر الذي يمكِّننا من نشر الإسلام في العالم كله إذا أحسنّا استخدامه. ولكننا - للأسف - لا نرى من العولمة إلاّ آثارها السلبية من نشر فكر الثقافة الغربية بين المسلمين.
8. «منبر الداعيات»: برأيك هل تعاني المجتمعات النسائية من أزمة قدوات؟ وكيف نصنع نموذج المرأة القدوة التي تؤثر بحالها قبل مقالها؟
- القدوة موجودة بالتسلسل من عهد الرسول [ - وهو قدوتنا - والصحابيات، ونحن - كسائر الناس- دعاة نحتاج إلى القدوة بالتسلسل، ولكننا أيضاً بحاجة إلى مربيات فاضلات في المحاضن الأساسية سواء في المنزل (الأمهات) أو في المدارس (المدرّسات والمديرات). وهذا هو النقص الحقيقي الشديد الذي نعاني منه والذي يجب أن نبذل الجهد في جميع المجالات كي نقضي عليه، وأدعو الله تعالى أن يعينَنا على إيجاد قُدُوات حقيقية توجّه أولادنا وبناتنا.
9. «منبر الداعيات»: تجربة عشتِها ولا تنسَيْنَها أبداً.
- كنت مرة في مسجد يتّسع لمئتَيْ شخص أُلقي محاضرة على الأمهات وأتكلم في أمور تربوية، فاقترَحْنَ عليّ التكلم مع بناتهنّ، فاتفقنا على أن يرسِلْنَ بناتهنّ فقط الأسبوع القادم، دون حضور الأمهات. وعندما حان الوقت ووصلتُ إلى المكان وجدت الشارع مسدوداً بكَمّ من السيارات، كما وجدت عدداً هائلاً من الشابات في الطريق. سألتهنّ باستغراب عن سبب هذا الزحام الشديد فقلن: إن الدكتورة سناء عابد تريد أن تُلقي محاضرة ولكن المسجد ضاق عن الاتساع لهن فلم يستطعن الدخول. بصعوبة بالغة شققت طريقي بينهنّ حتى صعدت إلى المسجد وجلست أبكي بحرقة.. شعرتُ بشدّة حاجة الشابات إليّ وبتقصيري معهن في الوقت نفسه، واتفقت معهن على أن تكون المحاضرة الأسبوع القادم في جمعية القرآن التي تسع ستمئة كرسيّ فجاءت حينها ألف شابّة...
10. «منبر الداعيات»: انطباعات عن المؤتمر:
- والله إن المؤتمر بصراحة أعجبني جدّاً تنظيماً وإعداداً واختياراً للموضوع. كان جميلاً جميلاً - ما شاء الله لا قوة إلا بالله - يظهر فيه الجهد المبذول والنظام. ولفت نظري - ما شاء الله - الفئة التي حضرت: فعاليتهنّ، واستجابتهنّ كانت جميلة وواضحة.
في ختام الحوار نسأل الله تعالى أن يتقبّل جهود الداعية سناء عابد في الدعوة إلى الله سائلين المولى لها القبول والتوفيق.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة