عالمةُ جيلها الأديبة الشاعرة عائشة
عائشة الباعونية الشافعية نموذج مضيء في تاريخ الحضارة الإسلامية... فهي من أشهر نساء القرنين التاسع والعاشر الهجريَّيْن... شاعرة... فقيهة... وزاهدة، عُرِفَتْ بكونها سبَّاقةً بين علماء جيلها في مجالات المعرفة، كالفقه والسيرة النبوية وعلوم العربية والتزكية.
ترجم لسيرة عائشة الباعونية بعض من مصنفي كتب الأعلام، ومنهم: المؤرخ خير الدين الزركلي في كتابه: (الأعلام)، وحافظ الشام نجم الدين الغزي في كتابه: (الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة)، والفقيه والمؤرخ ابن العماد الحنبلي في كتابه: (شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب).
ولقد أُدرج اسمها في موسوعة الشعر العربي في المجمّع الثقافي في «أبو ظبي»، كما أعلنت اليونسكو عامَي «2006-2007» عاماً عالمياً للاحتفال بمرور 500 عام على ولادة الأديبة الأردنية عائشة الباعونية.
يقول د. محمد علي الصويركي مؤلف كتاب: (عائشة الباعونية.. فاضلة الزمان): «لقد تبوأت الباعونية مكانة رفيعة في العصر المملوكي، وبذلك استحقت هذا التكريم الكبير من منظمة عالمية كاليونسكو، ولا بدّ من المعنيين بهذه المناسبة الاحتفاء بها من خلال تحقيق مؤلفاتها ونشرها، وتقديم مختلف الدراسات والأبحاث عنها، وإقامة الندوات والمحاضرات للتعريف بها...».
نَسَبُها
هي عائشة بنت القاضي يوسف بن أحمد الباعونية الشافعية، وتُكنى بـ(أم عبد الوهاب)، وتُعرف ببنت الباعوني نسبة إلى (باعون) إحدى قرى محافظة عجلون في شمالي الأردن. ولقد ذكر بعض الباحثين أن النسبة إلى باعون تعود إلى جدها الخامس أو السادس، فوالدها ولد في القدس وهو ما يشير إليه الفقيه النحوي الشافعي البصروي في تاريخه؛ فلقد ذكر أن قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن أحمد بن ناصر الباعوني، والد عائشة الباعونية، ولد بالقدس عام 805 هجرية، ويسميه «القدسي».
ولادتها وطلبها العلم
ولدت في الصالحية، أحد أحياء مدينة دمشق في حدود عام 865هـ/1460م، ونشأت فيها، يقول الدكتور حسن ربابعة في كتابه (عائشة الباعونية شاعرة): درجت في بيت علم وفقه وأدب وقضاء ووجاهة، أفادت من بعض حلقاته وهي لم تشبّ عن الطَّوق بعد، وتنشّقت عبَق العلم في خِْدرها، وربما كان بعض أفراد أسرتها أساتذتها الأوائل - جرياً على سُنة التدريس الباعوني؛ فجدّها أحمد تتلمذ على أخيه إسماعيل الصوفي في صفد، وأخواها محمد وأحمد تتلمذا لعمهما البرهان الباعوني إبراهيم - ثم تنسّكتْ على يد إسماعيل الخوارزمي، ثم على يد خليفته يحيى الأرموي.
حضرت الفقه والنحو والعروض على جملة من مشايخ عصرها. كما درس على عائشة جملة من العلماء الأعلام، وانتفع بعلمها خلق كثير من طلبة العلم.
زواجها
رغم تصوفها لم تعتزل عائشة الحياة، بل مارست جميع تفاصيلها، وهي بذلك تختلف عن رابعة العدوية؛ فلقد تزوجت عائشة من ابن نقيب الأشراف في دمشق: الشريف أحمد بن محمد بن أبي بكر ابن علي بن إبراهيم الذي ينتهي نسبه إلى الحُسَيْن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما نحو عام (896 هـ/1490م)، ورُزقت منه بمولود ذكر اسمه (عبد الوهاب)، وذلك عام (897 هـ/1491م)، وبمولودة أنثى اسمها (بركة) عام (899 هـ/1493م)، ولكن الأخيرة توفيت وهي في الثالثة من عمرها.
علمها
وصفها الإمام الفقيه والمؤرخ الحنبلي ابن العماد في مصنفه (شذرات الذهب) بقوله: الشيخة الصالحة الأريبة العالمة، أحد أفراد الدهور ونوادر الزمان فضلاً وأدباً وعلماً وشعراً وديانةً وصيانةً. وهي أعلم نساء القرن العاشر الهجري، بل قالوا: ربما لم يقم في تاريخ الإسلام بعد كبار الصحابيات والتابعيات مَن يشبهها في العلم والفضل والإجادة والتأليف، وكانت فاضلة الزمان وحليفة الأدب في كل مكان.
نهلت الأدب والعلم على يد مشايخ عصرها في مدارس دمشق والقاهرة، ومن مطالعاتها الخاصة؛ إذ نشأت في بيت علم ودين وأدب. ولقد غادرت دمشق قاصدة مصر وقضت بها بضع سنين مع ابنها عبد الوهاب، وهناك حصّلت قدراً وافراً من العلوم حتى أُجيزت بالإفتاء والتدريس في مساجد القاهرة، ثم عادت إلى دمشق وكان لها باع طويل في فقه المذاهب الأربعة، وفي السيرة النبوية.
ذكر الإمام نجم الدين الغَزّي في كتابه (الكواكب السائرة) على لسانها أنها قالت: أهّلني الحقُّ لقراءة كتابه العزيز، ومَنّ عليّ بحفظه على التمام ولي من العمر ثمانية أعوام.
عاصرت عائشة الباعونية الدولتين المملوكية والعثمانية، ثم سافرت إلى مكة والمدينة لمناسك الحج والعمرة، وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وألّفت بعض قصائدها هناك عندما تأثرت بقدسية المشاعر المقدسة.
بلغت عائشة الباعونية في الشعر مبلغاً عظيماً حتى عدّها العارفون بالأدب بين الشعراء المولَّدين (المحدثين) تزيد على الخنساء بين الشعراء الجاهليين. نظمت الشعر في فنون شعرية كثيرة: كالموشحات والدوبيت والزجل. وكانت صاحبة خط جميل، ولذلك تعد من الخطّاطات المبدعات، وكتبت بخطها أغلب مؤلفاتها.
مصنفاتها
لعائشة الباعونية العديد من المصنفات في فنون الشعر والنثر، زادت على عشرين في النحو والعروض واللغة والفقه والتصوف والسيرة النبوية، منها المطبوع وأكثرها مخطوط ومفقود، وفيما يلي أشهر مؤلفاتها المطبوعة: «الفتح المبين في مدح الأمين» - «مولد جليل للنبي صلى الله عليه وسلم» اشتمل على فرائد النظم والنثر، ويعرف بـاسم آخر هو «المورد الأهنى في المولد الأسنى» - الملامح الشريفة في الآثار اللطيفة» - و«فيض الفضل» وهو محفوظ في دار الكتب المصرية.
وفاتها
توفيت عن 59 عاماً في القرن العاشر الهجري سنة 923 هـ = 1516م، رحمها الله رحمة واسعة، وقبرها موجود في بستان الشلبي في منطقة زقاق طاحونة الأحمر من ضواحي دمشق.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة