أمُّ موسى عليهما السلام.. المرأة العظيمة الواثقة بالله (2 من 2)
طمأن الله أمَّ موسى على وليدها، ووعدها أن يعيده إليها، ونهاها عن الخوف أو الحزن عليه. فاستسلمت المرأة الصالحة لأمر الله، ونفذت ما أمرها به.. وضعت وليدها في التابوت، ثم قذفت التابوت في اليمّ.. وأخذه اليمّ بعيداً عنها.. وأتاها الشيطان يوسوس لها ويشككها في تصرفها، وقد سجّل القرآن حالتها بطريقته التصويرية المؤثرة، قال تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمنِينَ) [القصص:10]. وهذا من روائع التعبير القرآني في التصوير المعجز.. ففؤادها فارغ من التفكير في غير موسى، لأنه امتلأ من التفكير به.
ومن فَرْط اضطراب مشاعرها، وبلبلة خواطرها، كادت تُبدي به، وتكشف السرّ ! هذا ما يقرره قوله تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ).
ولو فعلت ذلك لكشفت السرّ وعرف الملأ من قوم فرعون هوية الوليد الذي في قصر فرعون، وبذلك يقتلونه لأنه إسرائيلي.
ويريد الله أن يُمضي أمره، ويُنفذ إرادته، ويُبقي هوية الوليد غير معروفة... فتدارك أم موسى برحمته: (لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمنِينَ).
اطمأنت أم موسى بعد أن ملأ الله قلبها ثقةً ويقيناً، وتصديقاً واطمئناناً، فتصرفت بعد ذلك بهدوء وحذر وانتباه.
أرادت أن تتابع أحداث وليدها وأن تعرف خط سيره، فماذا تفعل؟
كانت لها بنت واعية ذكية، وكانت فتاة صغيرة، لا تلفت الأنظار، ولا تثير الشك والانتباه، فطلبت منها القيام بالأمر، قال تعالى: (وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُون ([القصص:11].
معنى "قصيه" تتبعي أثره وراقبيه، وانظري أين سينتهي التابوت.
أمرت الأم البصيرةُ ابنتَها الحصيفة بمتابعة سير التابوت، فكيف تصرفت البنت؟ لخص القرآن ذلك بجملة ذات دلالة وفق طريقته التصويرية المبدعة: (فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُون).
جميع المخرجين والمصورين لا يستطيعون تصوير المشهد بكاميراتهم الدقيقة، في مستوى تصوير القرآن له بكلماته، لاحظوا معنا:
التابوت الذي فيه أخوها يسحبه الماء ببطء، ويسير بجانب الساحل، ورجال فرعون وجنوده و "مخابراته" في المكان يراقبون ويرصدون ويتابعون، ولا يكاد يفوتهم شيء!
فكيف تتصرف البنت الذكية؟ لم تركز النظر إلى التابوت، ولم تجعل وجهها إليه، ولم تقف بجانبه حتى لا تثير انتباه العيون الراصدة.. لقد «بَصُرت به» عن بُعد وليس عن قرب، وهذا معنى "عن جنب"، فإذا كان التابوت في جهة الشرق كانت تنظر إلى الجنوب، وطرف عينها ينظر نظرة جانبية "عن جنب"، وبقيت تراقبه على هذه الصورة الذكية حتى أوقفه
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة